صرخ الأستاذ : يا رشدي روح عند السبورة وأشرح للطلاب سبب غبائك المستفحل ...قالها الأستاذ وهو ينفخ على وجهي بقايا الطباشير من أعلى أطراف أصابعه ..قمت من على الكرسي ولم أشعر بإنحشار طرف ثوبي تحت الطاولة ألتي تحركت معي وكأنها تمنح الرفقة لصبي خائف في الرابعة الأبتدائي كادت الطاولة أن تنقلب لفرط السرعة في تلك الحجرة اللعينة التي يسمونها الفصل ذات الكراسي والطاولات التي تفرض شكلا اخر من اشكال القمع والإعتقال غير القمع الذي تعودناه في بيوتنا ألقمع ألذي سيرافقنا في حياتنا القادمة ..ومثل كهل مريض عدت إلى الطاولة لأضعها في مكانها الصحيح ليسبقني الأستاذ بصفعة مدوية على قفاي وهو يقول يا غبي أترك الطاولة وأذهب إلى السبورة ..لحظتها فقط التفت إلى الأستاذ وأنا أتخيل نفسي أرفع الطاولة من مكانها وأخسفها فوق رأسه وددت لو أن حجمي أكبر لأهشم جمجمته .. تخيلت كل شيء في ثواني معدودة رغم أنه خيال الا
أن الأستاذ أنتبه للجحيم النائم في عيوني لغضبي المشتعل للمسامير في نظرتي .. فغير نبرة صوته لتقترب من الهمس وهو يردد خلاص روح عند السبورة لو سمحت.
وقفت بجانب السبورة مثل شرطي المرور وضعت يدي في جيبي و لم أحني رأسي رغم حرارة الخجل الساخن الملتصق على قفاي بل تعمدت ألنظر مباشرة في عيون الطلاب وأنا أخفي رغبتي في البكاء الرغبة التي تمور في داخلي كلما صفعتني هذه الحياة .. بعد أربعين سنة قادمة سأتذكر هذا الموقف وأنا أسرده لكم في هذه الصفحة ..وسأضحك مثلما أفعل تماماً ..قال لي الاستاذ رشدي لماذا رسمت النهر في الكراسة وهو ينزل من أعلى إلى أسفل وصبغته باللون الأسود ووضعت له اطراف وعيون ثم لماذا رسمت الشمس بشكل مستطيل ..أرخيت رأسي على كتفي وتنفست بصوت يشبه النشيج ثم أردفت يا أستاذ أنا لم أشاهد نهرا في حياتي ولا يوجد في قريتنا نهر تخيلته منحني مثل شجرة تبكي دموعها سوداء ولا تعرف كيف تمسح دموعها ذلك لقصر أغصانها تماماً مثل أمي التي دائما تبكي وهي واقفة ولا تجد من يمسح دموعها بالنسبة للشمس رسمتها نصف شمس ونصف قمر ذلك لشعوري أن الشمس عندما تغرب تتحول إلى قمر ثم تنتفخ وتعود لحالتها المتوهجة وهذا لا يناسب الشكل المدور للشمس أنا لا أعلم أن كانت ستغرب أم ستشرق في الكراسة لكنني أحمل الإيمان الكامل أنها سعيدة بشكلها المكعب وبمشاركة القمر لها ..صرخ الأستاذ بتهكم يا رشدي مخصوم عليك ثلاث درجات لغبائك وعندما تذهب الى المنزل أفتح التلفزيون وأبحث عن النهر في أي مسلسل ..ولا تنسى أن تراقب الشمس لتكتشف انها ليست مربعة
خرجت من المدرسة بنصف سعادة وبكثير من الإنحناء قال لي سامي وهو الوغد الذي سيصبح طبيب أسنان في المستقبل : رشدي السماء زرقاء والشمس صفراء والنهر أعتقد أن لونه أزرق مثل البحر وليس له عيون ولا يمكنه البكاء كيف يبكي النهر وهو ماء في ماء ..قلت له لا يوجد شيء في هذه الدنيا لا يبكي السماء تبكي والارض تبكي وأمك تبكي وأنت ستبكي وستبكي كثيراً أن لم تصمت يا سامي..
أخذتنا أقدامنا ناحية شارع الحوطه في دارين المكان مرتفع اعلى مما ينبغي أضطر سامي للمشي خلفي وترك مسافة بينه وبيني خوفا من بطشي كانت الشمس فوقنا مباشرة ولا ظل لنا على الأرض كنت أشعر أن الشمس غاضبة بشكل ما ربما بسبب إهانتي لها وتكعيبها على الكراسة قلت في نفسي كم أنا أحمق هل يوجد في الدنيا شمس مستطيلة ونهر لونه أسود ..أكيد الأستاذ والطلاب كلهم على حق أنا غبي جداً ... ثم سمعنا صوت انفجار أفزعنا كانت سيارة نقل خفيف اصطدمت بأنبوب الماء الخاص بالمطافي من أعلى الشارع فتفجر الماء إلى أعلى مثل نافورة ونزل السيل بأتجاهنا جارفا معه كل الأوساخ والحجارة من أعلى الشارع كان لون الماء أسود تماماً همس سامي في اذني ..رشدي أنت على حق متى ستتحول الشمس إلى مكعب .. قلت له أنتظر قليلاً فقط يا سامي..
.
.
.
رشدي الغدير
r0509932227@hotmail.com
..........
خارج الشجرة
يحدث كثيراً أن التقي بصديقي الدكتور سامي في عيادته أو خارجها
ويبادر بسؤالي ...متى ستتحول الشمس الى مكعب وأنا اقول له أنتظر قليلا يا سامي ..ثم نضحك
الله يخلف عليك غبااااااااااااااااااااااااء
ردحذف