Translate

الجمعة، 1 يونيو 2012

عد إلى قبرك لو سمحت ... أريد أن أنام ....

 






أخذت تصرخ في الناس أن يبتعدوا عن الطريق وأنت تمسك بيد الطفل ..الطفل الذي طلبت منه أن يقف بجانب محل بيع الملابس .. وأنت تهمس في اذنه : ( أرجوك لا تخف ولا تتحرك من هنا  ) ... الطفل الذي كان يكبر دون توقف داخل العالم يجمع حواسه المتناثرة قبل ضياعها يشاهدك لأول مرة وأنت تتعارك مع رجال سفلة صدموا سيارتك من الخلف  ... كان يخشى أن يمتد العراك بينك وبينهم ليصيبه بمقتل فيختفي من هذا العالم بسرعة وهو ما يزال مجرد طفل ... صحيح أن رعبه المخيف قد أنتهى بعد أن حضرت سيارة الشرطة وخرج الضابط ليصرخ في السماء والأرض دون سبب واضح .. صحيح أن الأمر تحول عنده إلى تسلية ممتعة للغاية وهو يراقب الضابط الذي صافحك وأبتسم ...لكن الطفل أدرك بشكل مبهم أن شيئا ما تغيّر ؟؟ هناك أشياء لم يعد يشعرب بوجودها ... هناك أصوات لم يعد يسمعها .. وهناك وجه لم يعد يشاهده بين الناس ...كان عليه أن ينتظر أكثر من أربعين عاما ليتمكن من كتابة هذه السطور وهو واقف بجانب نفس محل الملابس ينتظر الرجل الذي قال له : ( أرجوك لا تخف ولا تتحرك من هنا   ) ...صباح الخير يا أبي ... لقد أنجبت ولداً يشبهك يا أبي ... وتعاركت مع نفس السفلة لكن الضابط لم يصافحني بعد ... كم أحبك يا أبي ...  


.


 


.


 هل تصدق يا أبي ... لقد نجحت في انتزاع ملامح وجهي القديمة أخيراً .. أدخلت أصبعي خلف أذني وتحسست أطراف ملامح وجهي الناتئة من الخلف ... أمسكت بها ورحت أنزعها عن وجهي ... كانت ملتصقة على وجهي منذ 52 سنة ...سأغسلها في الصباح وأضعها على وجهي قبل أن أخرج إلى الشارع ... من الرائع أن أواجه العالم بملامح مغسولة ونظيفة ... حتماً سأفتقد مسحة الحزن اللطيفة أسفل وجنتي ... سأفتقد الحسرة الغبارية التي وضعها الزمن بجانب عيوني الشمالية .. لكن هذا يمكن تعويضه بسهوله .. سأحتاج القليل من الوقت والقليل من الأصدقاء السفلة حتى يعيدوا لملامحي كل الحزن الذي سأغسله في الصباح ... أنا خائف يا أبي ... خائف من ضياع ملامحي القديمة في زحام المدينة ... أرغب حقاً في كتابة قصيدة يا أبي .. أنت تعرف هذا النوع من الرغبات المباغتة يا أبي ... لكن لا يمكنني كتابة قصيدة جديدة ووجهي خالي تماماً من الملامح ... كم تشبهك ملامح وجهي القديمة يا أبي ....وكم تشبهك القصيدة ...وكم تشبهك المدينة ...وكم يشبهك الزحام ... وكم يشبهك الحزن ...


 .


 


.


عد إلى قبرك لو سمحت ... أريد أن أنام .... لا أريد أن أتحدث معك وأنا اعلم أنك ميت .... الأموت لا يقفون في منتصف الغرفة دون سبب ... حسناً لا تقف هكذا أمامي بكل ملامحك القديمة ... يمكنك الجلوس على الكرسي الخشبي ... هل تسمع هذه الاصوات ؟؟ إنها أصوات الأشياء الصغيرة تسألني : ماذا يفعل والدك الميت في الغرفة يا رشدي .... أنت تحرجني يا أبي ... كيف أبرر للأشياء الصغيرة وجودك في الغرفة وأنت ميت .. عد إلى قبرك لو سمحت ... أريد أن أنام ....


.


 


.


رشدي الغدير 





هناك تعليق واحد: