عفوا يا أصدقائي لقد ضيعت طريقي إلى القبر
لم أتغير .. أنا مثلما كنت تماماً ...كل مساء أجلس تحت جثتي أعوي مثل ذئب جائع ألتهم الوحدة على طبق من ضجر ..وكلما أتسخت عيوني من القراءة أغسلها بدموعي الوقحة ..عيناي الزائغتان كانتا
تتعقبان المؤخرات بشغف قبل أن يرتد لي طرفي بطرفة لا تضحك أحدا غيري .. (الموت) ياله من أمر سخيف يا أصدقائي ... عيوني البنية عالقة على الباب مثل طرقة قديمة لأصدقاء أعتدت على خياطة أصداء
أصابعهم في رأسي لأستجمع بعض الغناء المنسي في حناجرهم ...
( يا الزينه ذكريني لي غيبتني بحور
و بشوق ناديني يمكن الدنيا تدور
وأرد ويا الصيف ولا الشتا لي رد
ولا مع الأشواق وقت الربيع والورد )
.... أمتص كامل الغصة في دمي و قبل أن أعلم الهواء الساقط الحبو أمشي بكامل أطرافي حول نفسي وأضحك ... أخطو..فأقع ...و طرقة الباب عالقة بعيني المغمضتين ..
طق ..طق ..طق ...
- من انتم ؟
- نحن ..
- من في الباب ؟
- نحن...
- من أنتم؟
- نحن أصدقائك الموتى ...
ينقطع الصوت بكامل الفراغ الموصد ... أعود للجلوس فوق جثتي و كعبارة متسعة في قصيدة مملة أتنفس الحبر من الورقة المهملة بجانب السرير وكأنها غواية عابرة ليست لأحد ... الأصدقاء محض هراء وبقايا
طرقاتهم على الباب هي مجرد وهم غبي .... لا تنتظر أن يطرق الباب أحداً غيرك و ستموت وحيدا ينما يتشبث جلدك برائحة أصدقاء تنفلت ضحكاتهم من المسام الصغيرة ... إذن أعد ترتيب موتك برغبات
أقل من المعتاد ...كأن تفتت رأسك على حواف السرير وتحبس ذكرياتهم التي تطايرت مع حشد أنفاسك قبل قليل وأنت تقول لنفسك من خلف الباب (من أنتم ) .. فلا تبحث عن قفص أضيق من صدرك المسكون
بنبضاتك الأخيرة ...
(وانا بعيد بعيد ما عندي غير الآه
حملت نجم السما شوقي لكم وياه
اشتاق اشم العود و اوله على الطيبين
والحنه لي خطوه .. خطوه على الكفين
وأرد ويا الصيف ولا الشتا لي رد
ولا مع الأشواق وقت الربيع والورد )
ذكرياتي تتراكم في رأسي كقبيلة من النمل على فتات الخبز ..ليس وردا ما ينبت على جبيني وخلف عيوني التائهة أمام الباب وكلما لبست جنوني هرعت لخطف وجوه الأصدقاء من قبورهم لأتمدد معهم بين
السطور في قصائدي وندخن سجائرنا الفاجرة ونعيد ترتيب أنفاسنا بما يناسب هذه المسافة بين الأحياء و الأموات وبثرثرة لا يملها أحد نحشوا أوراقنا ببعض البذاءات الجميلة ... عفوا يا أصدقائي لقد ضيعت
طريقي إلى القبر لأنني عادة ما أترك ملابسي متسخة امام المساجد البيضاء وأنام بجانبها ...
.
.
رشدي الغدير
............
المقاطع بين الأقواس من اغنية الفنان الكبير احمد الجميري :يا الزينه ذكريني ...كنا نرددها فيما بيننا أنا وأحمد الدوسري و سلطان الهوشان و سامي اليعقوبي أصدقائي الذين ماتوا في حادث قبل سنوات ...
رحمهم الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق