Translate

السبت، 25 مايو 2013

الذي منعك من تمرير وجهك خلال غيمة عابرة

والدي رحمه الله ابراهيم الغدير عندما كان كاتبا صحفي في جريدة اليوم ياله من رجل وسيم
والدي رحمه الله ابراهيم الغدير عندما كان كاتبا صحفي في جريدة اليوم ياله من رجل وسيم

أيها الواقف أمامي عند رأس السرير تماماً يا أبي .. أنت ميت إلا يجدر بك البقاء في قبرك حتى تقوم الساعة ويبعثك الله مع الفقراء وموظفي القطاع الحكومي و المؤلفة قلوبهم وأبناء السبيل و المؤمنين بقضاء الله وقدره ... فلماذا تترك قبرك كل ليلة لتطارد جيناتك المصقولة في وجهي .. أبي أنت لم تنجب ولداً يكره مرقة الباميا بل أنجبت وجهة نظر لا تنسجم مع هذا العالم القذر ... اليوم في الظهيرة تماماً شعرت بوجودك أيضاً .. عندما طلب مني الشرطي أن أترجل من السيارة ليفتشها بحثا عن سيجارة حشيش ذلك لأنني صافحته بإبتسامة أنيقة وقلت له : أهلا بك أيها الشرطي ...


..أنت تعرف حجم الفداحة في أن تبتسم وقت الظهيرة ... لقد كانت غلطتي ..


...لم يجد الشرطي أي شيء في السيارة لكنه وجد ملامح حزنك في عيوني حتى أنه قال لي : أذهب يا إبراهيم الغدير ... قلت له : أيها الشرطي اسمي رشدي وليس إبراهيم ... قال لي : أعرف.. هيا أذهب يا إبراهيم ...


..شعرت لحظتها أنني دولاب قديم اكثر ما يمكن أن يجدوا فيه هو قميص لرجل مات ولم يعد موجوداً اسمه ابراهيم الغدير .....

فما كان مني غير الذهاب .. وها أنا مستمر في الذهاب ... أبي أريد أن أنام ... عد إلى قبرك أرجوك ... وأعدك أن أستمر في الذهاب وأن لا أبتسم وقت الظهيرة ...مثلك تماماً
.
.
البارحة يا أبي .. البارحة كنت أحضن ذكرياتي في هذه المدينة كأم تحضن أطفالها الموتى ... مستلق على السرير .
.. أفكر ..بعد هذه التجربة الفظيعة من الموت مع الأحياء ..بأن أعيد النظر في قصائدي السابقة كلها .. أن أعيد النظر في تجربتي الشعرية العقيمة كلها .. للحظة أصدق أنني أخرق ..للحظة فقط تتجسد أمامي حياتي الفاشلة كلها دفعة واحدة .. .... أتوقف عن التفكير لأقنع نفسي أنني شاعر عظيم لكن الناس في هذه الحياة الدنيا يستقبلونني في المطار وأنا أهبط من السماء مثل وحي ..لكنهم لا يفقهون لغة الأنبياء المؤجلين ..وأبتسم ... أقول في نفسي : أنا شاعر عظيم و سأتحمل غباء الناس ريثما يبعثني الله إلى أقوام أخرى .....أريد أن أصبح فارغاً ومستعداً للموت فقط .. لكنني أخفي حزني كفتاة خجولة تخفي ملابسها الداخلية وراء الفساتين عندما تنشر الغسيل .. خلسة أبلع ملعقة صغيرة لأحرك دمي ...وأقذف خلفها السكر والشاي والكثير من الصمت يا أبي
.
.
ثمة طاقة حميمة يحسن هذا الكائن بثّها في روحكَ هكذا أتحدث مع نفسي أحاول أختصار الطريق الشائك بيني وبين الشخص الذي يسكنني الشخص الذي لم افهمه قط …ولم أقف على رغباته المحيرة ..إنه أبي ...أبي الذي لم أفهمه قط
.
.
في طفولتي كنت أبكي بصمت مثل البجع كلما ارتكبت حماقة عابرة وسمعت صراخ والدي وهو يبحث عن العسو والعسو هو جريد النخل الملتف المؤلم ولا أعلم إن جاز لي تسميته بالغصن ذو الشجون وكلما جلدني والدي على ظهري بالعسو اصرخ وأجهش بنحيبي المكبوت وأغمض عيوني كنت أتمنى أن أطفو مرتفعاً عن الأرض لئلا أسمع وقع العسو على بشرتي التي ستتلون لعدة أيام بالأحمر الداكن كنت أبكي في فراشي وحيداً وأنظر إلى السقف وأضع أحتمال أن تتحدث معي الملائكة او تنتشلني إلى السماء للجلوس مع الله حتى أبكي بين يديه …وبعد كل هذه السنين مازلت أنظر إلى السقف كل ليلة لكن بالقليل من الإيمان و الشكوى …وها هو والدي يقف عند رأس السرير كل ليلة لينظر إلي ويبتسم دون سبب مقنع رغم أنه ميت .
.
.
كنت أراقب قطرات المغذي و أنظر إلى الأنبوب المنطلق من الأعلى إلى نهاية السلك المغروس في يده فيما يخرج أنبوب من حوالب كليته أسفل خاصرته لينقل البول إلى كيس بلاستيكي يطل باستحياء أسفل سرير ه ..

قال : - أغلب جيراننا في الحارة رحلوا عن هذه الحياة يا رشدي .. المطربين الذين نُحبهم ماتوا أيضاً .. .كنت أستمع له وأهز رأسي وأغمض عيوني وأفتحها حتى يتأكد أنني أفهمه تماماً ...


أردت أن أخبره أن الأمر لا يهمني كثيراً وأنني لا أكترث للموتى و كلما هممت بذلك أشعر أن الكلام عالق في فمي .. فما كان مني غير هز رأسي فقط ..


.قال :- الطبيب أبن ستة وستين شرموطه أقول له خلني أروح البيت مليت من المستشفى يقول أبن الكلب لسه حالتك مش مستقرة .. .


لم أجبه بشيء فقط أكملت هز رأسي بالموافقة على موقفه من الطبيب ومن الغرفة ومن الملل ... فيما راح سؤال يلوكني من الداخل لماذا أنا قاسي جدا عليه ولا أشعر بأي تعاطف معه ... يبدو أن القسوة التي تسلحت بها طوال السنوات الماضية قد تلبستني ولم أعد أشعر بالشفقة على أحد ... لم أبتسم في وجهه منذ عشر سنوات تقريباً ...


قال : تعرف يا رشدي .. لما أطلع من المستشفى ما راح أرجع لها حتى لو أموت في البيت ...


رفعت رأسي ونظرت مباشرة إلى الأسلاك الموصولة في ذراعه بعد أن كنت أختلس النظر إليها كي لا أشعر بلألم الذي يغتصب جسده مع كل نوبة يتلاشى فيها مفعول المسكنات .. أعرفه جيداً ذلك الشعور بالمرارة يا أبي ... وذلك الثقل في الأطراف وأنت تتمسك برغبة العودة إلى البيت وعلى وجهك ابتسامة أنيقة تصلح لكل الأوقات وأعرف جيدا شعورك الذي يبلله الحنين ويتلبسه ويهيجه رغم أمراضك وشيخوختك وضعف جسدك ..وأعرف أنك تشتم الطبيب لأنه يمنعك من تمرير وجهك خلال غيمة عابرة ..وأعلم جيداً أنك سعيداً الآن و تبتسم .....رحمك الله يا أبي ... رحمك الله


أنت ميت يا أبي أرجوك أبق في قبرك أرجوك
.
.رشدي الغدير .....






الأربعاء، 22 مايو 2013

....عليك أن تموت...





04-copy.jpg



انا : هل السؤال عن اسمي


المحقق : ما اسمك ..


المحقق : نعم ماهو اسمك


انا : هذا ما يوقعني في دهشة دائمة كلما ذكر اسمي وتبعه لقب القبيلة ان تكون بدويا واسمك رشدي هو ان تلبس قناع مضحكا يثير سخرية الطلاب في المدرسة ويثير غريزتك الاثيرية في البقاء وحيدا منطويا متمنيا ان يتحول اسمك الى ضفدع تدهسه سيارة او يبلعه قط .... لاسمي ذكريات تندر واستغراب لازلت اعيشها حتى الان خاصة مع البدو من ابناء العمومة والدواسر اذا اسمي هو اللبنة الاولى المختلفة عن البقية عن اقراني اكاد اجزم ان لا دوسري في هذا الكون يحمل اسم رشدي غيري ..اليست هذه فرادة تشبه فرادة السديم في اخر اصقاع المجرة ....
إن قلبت اسمي يصبح ي د ش ر ... وانا امد يدي لاصافح يدي الاخرى في محاولة لإظهار نوايا يد خير وخبايا يد شر ..
في النهاية هو اسمي اطعمه ما يشتهي من التبجيل كلما صرخ في وجهي اين رشدك ..... أين رشدي وأنا أضع نفسي في مثل هذا الجنون والتخبط مع محقق لا اعرف اسمه ولا ماذا يريد مني بالضبط


المحقق : كم عمرك ...


انا : لا اعرف بالضبط ...


المحقق : كم يفترض ان يكون عمرك في هذه اللحظة ..


انا : في الواقع يا سعادة المحقق أنا أجهل عمري بالتحديد لطالما شعرت أنني كائنا زماني ولست كائنا مكاني أتنقل بين سني عمري اثير الغبار خلفي ولا انتبه كثيرا الى خصل الشيب المتناثرة في تموج يشبه بقاء الحقيقة ظاهرة فوق السواد لن احاول اخفائها لكن احاول بشكل جدي التعايش مع شخصية العمر التي تطلب مني دائما ان اكون الحكيم المنتبه بعمر الستين و أن اتماهى مع شخصية الوغد الذي يركل الأشياء بجموح المتاريس ليهرب عنها بعمر العشرين و أن اتموسق مع احبابي الصغار واضع نفسي معهم في صندوق الالعاب واحاول ان اهتف بفرحة الافتتاح وبعمر الخمس سنوات .... بعد هذا كله .... اجهل عمري الحقيقي لكن حسب السجلات الرسمية انا في الخمسين ربما ...


المحقق : الحالة الاجتماعية ، و عدد الأبناء إن وجدوا ؟


انا : حالتي الاجتماعية مرتبكة كلما اعرفه أنني أعيش وحيدا بعد أن اكتشفت زوجتي انني لستُ الشخص الذي وافقت على الزواج منه ....
وجدتها تجمع دموعها المتناثرة لفرط الخيبة وترحل دون ان تتحدث معي .. هذا ما أكد لي أنني فعلا شخص وغد لا احد يحتمله ولا يحتمل شخيره وقبح لسانه ...


المحقق : وهل عندك اطفال ..


انا : نعم روزان شريفة ابراهيم ..


المحقق : هل نقلت امراضك النفسية وهلاوسك الى اطفالك ...


انا : لا اعلم بالضبط ..لكن حتماً سيرثون بعض الجينات المجنونة بشكل ما خاصة عندما تتسلل جيناتك الى مخلوقات لطيفة لا تشبهك ستقع في لحظة الانتباه إلى لذة أن تنتقل لهم ذكرياتك وروحك وتفاصيل خوفك وهلعك ورؤيتك للموت يلتصق دائما خلف عنقك .....


المحقق : ماذا عن روزان ولماذا اسمها اجنبي ..


انا : لروزان روح مشحونة بالتساؤلات والكشف كلما لمحت سطوع نجم في السماء تطلق هدير من الانتباه تحتفي بي دائما عندما تضع الوسادة فوق راسي مازحة فيما هي تفعل ما كنت افعله وحدي في دس راسي تحت الوسادة حتى لا تخرج الافكار التي اجهلها واخاف منها فأبكي في صغري من مخالب الوحش في ظلمة الغرفة وتشرب الوسادة دموعي المرتعبة فيما اشرب انا نحيب الوسادة المكبوت ....
وصمتها المشحون ...
روزان ....
كان يفترض ان يكون اسمها حصة عندما ولدت كنت انجز كتابي الأول قطعة من لحم قدسية صغيرة تبتسم سمعتُ صوتا داخلي صوت لا أعرفه لكنه واضح وقوي قال لي .... هذه روزان .... امنحها روحك ولا تغضبها بعد كل هذه السنوات اكتشفت ان الصوت كان صوت الأرواح التي رافقتني في الطفولة وتشكلت امامي وتلبستني وانا بدوري منحتها متسع من الجسد والحب روزان ..... تتقن فن التحدث كطفلة حكيمة فيما تقلدني في وضع اكثر الكتب غموضا فوق طاولة الطعام ونهم القرائة ينتابها وجدت في يدها ما اشعل فيني توق الحدس المفرط بالتكهن .....ستكون شاعرة لا محالة .... كان كتاب امل دنقل وقصيدته لا تصالح هو التحدي بيننا فحفظت الصفحة الاولى فيما حفظت انا لون عيونها لحظة النص... تبكي كثيرا .....و تعشق الشكولاته والايسكريم والكتب .... وسبيس تون بطبع .... وتعشق ايضا أن اتحدث امامها لتبرز لي براعتها في التقاط اكثر المفردات صعوبة وحفظها وسؤالي عن معناها فيما بعد ... مثلا اكرر امامها مفردات سيملوجيا ايدلوجيا تفككية بنيوية طيبوغرافيا ... الخ وهي تكرر من وراءي وتتعثر في لكنة طفولية افتقدها الان ....خاصة بعد رحيلها من حياتي ......


المحقق : ماذا عن شريفة هل تفكر بالانتحار مثلك ..


انا: لا اعلم لكن سيكون علي ان اكتشف عندما تصفعها الحياة فيما بعد وهل ستحتمل الوقوف أم ستفضل الرحيل بصمت مثلي ...


المحقق : هل شريفة تشبهك ...


انا : شريفة أكثر شفافية في دموعها من روزان.. شريفة تشبه الطفل في داخلي ..اجدها ممسكة بقلبي دائما ليدها الصغيرة براح الحقول ولون المواسم تدفع الحلم بخليط من البكاء كلما لمحت لعبتهاالصغيرة نائمة فوق الدولاب تخاف عليها من الوحش ومن البرد ومن السقوط ...فأحملها برشاقة النوارس ... ( فيما بعد ستحملني هي باسراب الرحيل ) فتمد يدها في حنان الأم القابع داخل هذه الطفلة تاخذ لعبتها الصغيرة وتبتسم انا ايضا كنت لعبة في يوم من الايام أنام فوق الدولاب لكن لم أجد من يبكي لنومي وحيدا فوق الدولاب ولم تمتد يد لتنزلني الى طفلي او طفلتي .......


شريفة .... لبريق عيناها ذكاء كفيل في انقاذي من دفع تكاليف الدروس الخصوصية تتقن البحث في قوقل عني كلما وضعت اسمي في الباحث تخرج صفحتها المفضلة (قبر رشدي الغدير) تجهل ما هو القبر .. لكنها تشعر بتوقير المكان عندي فتخلع نعليها وتعلم انها في حضرتي .....
تشير الي بوجوب استعمال الفراشة ومعجون الاسنان تعشق اللون الوردي والأخضر ....
حتى انا في طفولتي عشقت اللون الوردي الذي لم اره ابدا ....


المحقق : ماذا عن ابراهيم هل سيمر بنفس تجاربك ...


انا : لا اعلم لكن اجده اكثر مسالمة مني في صغري ثم اشياء يفعلها دون قصد كنت أتعمد انا فعلها في صغري ..


المحقق : هل تعتقد انه سيزور نفس هذا المكتب ليتم التحقيق معه في المستقبل ..


انا : لا أريد له هذا .. سأخفي عنه وجهي الاخر وسأعمل على أن يتعلق قلبه بكرة القدم وبالرحلات البرية وسأحرص على ،ن يعيش ويموت مثل أي شخص عادي ...


المحقق : أشعر انك اكثر عقلانية مع ذاتك الان .... هل يشبهك ابنك هذا ...


انا .... نعم يشبهني ... يشبهني أكثر مما ينبغي .... وهذا يخيفني ...


ابراهيم ......النموذج الاخر للشيطنة الملائكية (سيدخل الحب بقوة ) وسيتزوج حنطية رائحتها فاكهة وطعمها ربيعي ... إن لم يقع في الحب .... سأقتله..


ابراهيم .. ينطق اسمي باحتراف المحب بابا رسدي هكذا يسقط النقاط الثلاثة للشين يجردها من تاجها يعري حقيقة الحرف وينهر النهر في داخلي يستكشف الطريق بنفسه يركض صوب السيارات فأركض خلفه اتحول الى نمر الشارع الى مفترس الاطفال الى وحش الرصيف التقطه بمخالبي مثل فريستي الاخيرة فيما يتوقف الشارع والمارة يكسوهم الذهول من هول السرعة وشكل الجسد لحظة الجري وخوفهم من رد فعلي وانا اللهث بشهيقي وزفيري فيما يتجمد هو من الخوف ويبكي من رعب ركضي نحوه التقطه ارفعه الى اعلى مكان تصله يداي في كبد سماء الناس واسقطه في قلبي موبخا نفسي لإخافته بركضي وباهتزاز جسدي الضخم .. فأقول له بموسم القول بابا سيارات أنتبه....
فيما يثمر بكائه لعبة جديدة يحطمها كلما شعر بالملل منها ...حتى أنا كنت احطم العابي ليس لشعوري بالملل بل لانتقم من نفسي فأعلم أن لا احد يؤدبني غيري احطم العابي وابكي عليها ....ما زلت امارس هذه الهواية في فقد الاشياء الجميلة .......والبكاء عليها .....
ابراهيم .........ثم الم يكتنز في ضحكته يشبهني .. يحتجز المه مثل ذئب صغير ...


المحقق : . اممممممم اتعلم سأطلق سراحك فقط من أجل اطفالك ...


انا : لكنهم غير موجودين ...


المحقق : عليك بزيارتهم اذهب اليهم ....


انا : اذن علي أن أموت ....


المحقق : نعم عليك أن تموت ...
.
.
.
رشدي الغدير

الأحد، 19 مايو 2013

قرروا أن يريحوا فمي من جحيم الابتسامة الإجبارية كل صباح

27020_1324928817410_1656570184_803028_5233249_n


لعقت البارحة الكثير من الدماء في حلمي ... وهذا الصباح وصلني خبر فصلي من العمل ... كم كنت أشفق على نفسي طوال الخمس سنوات الماضية كنت مضطرا وبشكل اجباري لأن أبتسم لوجوه قبيحة كل صباح وجوه شاحبة تائهة أنساها بسرعة لأتذكرها قبل النوم كل ليلة فأبتسم لها من جديد .. لقد قرروا أن ابتسامتي لم تعد مطلوبة في هذه الشركة .. قرروا أن يريحوا فمي من جحيم الابتسامة الإجبارية كل صباح ..
.
.
أقسمت البارحة قبل النوم و غلظت الأيمان بألا يمضي هذا الصباح إلا وقد وضعت حدا لما أعانيه مع مدير شركتنا الوغد (أبن الغبار ) لقد قضيت الجزء الأعظم من ليلة البارحة في ابتكار الحيل التي ستمكنني من أخذ حقي كاملاً دون نقصان ... دخلت مسرعاً إلى مكتبه هذا الصباح لتتبدد أمامي في أقل من لمح البصر كل الحسابات التي ضربتها ليلة أمس بل وتبخرت أيضا جميع حسابات سنين أنتظاري الطويلة لنيل التقدير الذي أستحقه ...
.
.
- - شاهدت نفسي أمسك المدير من عنقه وأغرس أصابعي في عيونه لأنتزع حدقاته وأرميها على سطح المكتب بجانب المستندات المتأخرة ...
.
.
- - شاهدت نفسي أمزق وجهه بلكمات يدي الهائلة وأسوي أنفه بالجدار حتى اغير معالم المكتب بلون دمه كنوع من التجديد ...
.
.
شاهدت نفسي أنتزع أحشائه وأضعها في سلة المهملات ثم أقف عليها تماماً وانزل سروالي وأبول على كل شيء في المكتب ...
.
.
.
ماذا حدث بالضبط ...
.
.
لا شيء
.
.
خرجت من مكتب المدير .. صامتاً .. وبحزن أكثر ...
.
.
لولا خيالي لأنفجرت
.
.
بما أنني اصبحت عواطلي (عقبال عندكم ) سأنتقم من اشارات المرور التي أخرتني عن تحقيق أحلامي و سأخفي عيوني بنظارة سوداء لأراقبكم عن كثب ولن يتمكن أحد من النفاذ إلى عيوني الذهبية وما خلف عيوني الذهبية وسأضع الشماغ على رأسي وألوح به للغرباء وسيوحي لهم شماغي بالحكمة و الموعظة الحسنة .. وسأفرغ نفسي (رغم أنني فارغ جداً ) أقول سأفرغ نفسي للكتابة والاستمناء وتعلم طبخ مجبوس الهامور .. وفي أوقات فراغي ( رغم أنني فارغ جداً جداً ) أقول في أوقات فراغي سأحاول تذكر النشيد الوطني .. ربما اضطر إلى ترديده في الحمام ..


ساااارعي للمجد و العلياء ...
و
أرفعي الخفاق أخضر
يحمل النور المسطر
.
.
اللعنة نسيت كلمات النشيد الوطني ....
.
.
أنا شاعر عظيم أيها العالم القذر ...
.
.
أنا شاعر عظيم ... ايها العالم القذر
.
.
رشدي الغدير

كان الأمر مخيفاً في البداية ثم لازمني في حياتي الدنيا كحلم متكرر

34561_1417266125785_1656570184_1009134_402327_n


لفرط التعاسة التي أشعر بها الآن لن تجدوا فرقا كبير بين وجهي ومؤخرتي ..أيها النبلاء سأذهب إلى النادي الأدبي في الدمام قبل أن أرتكب أي حماقة رعناء في هذه المكان ثم أندم عليها فيما بعد ... حسناً يمكنكم النوم مثل السحالي في شقوق الصخر فهذا لا يزعجني اطلاقا ...ثكلتكم أمهاتكم ما أسعد حياتكم البلهاء البسيطة الخالية من الكحول .....لكن ماذا سأفعل هناك في النادي الأدبي وأنا شخص غير مرحب به ... سأذهب على كل حال ... المهم أن أخرج من هذه الغرفة المملة .....
.
.
بالكتابة وحدها أحافظ على حجم إيماني بنفسي وكراهيتي لها بكل ما تحويه من تناقضات ومفارقات وغموض .. بالكتابة وحدها يتكاثر يقيني بأني لن أستسلم للهزيمة القصوى التي تقف في وجهي دائماً .. الكتابة تمنحني هدوءا غامضا وابتسامة تكفي للخروج من اسئلة الناس ونظراتهم و رغبتهم في دس أنوفهم داخل حياتي الخاصة ... الكتابة هي مصدر القدرة الخفية التي أملكها لفهم رسالة العالم قبل سقوطه ونهابته وفنائه ... الكتابة تجعل كل شيء جميلاً من حولي ... حسناً ..ضعوا لايك حتى أشعر أنكم تفهمون ما أقصد
.
.
التجويف الداخلي لعنق الصبي الذي قطع السياف رأسه في ساحة السوق وثوران الدم من شرايينه وتهتك أسلاكه وتدحرج رأسه وتطاير الشرارات التائهة من دماغه .. وكيف أنه رمقني بنظرة سريعة و مص شفتيه وعظ عليهما قبل أن ينفصل رأسه عن جسده أمامي تماماً .. لقد تم تربيتي على عدم الارتعاب من فكرة الموت إنهم يجعلون احتمال فنائي بين لحظة وأخرى أمراً مقبولاً .....أفكر بالسياف .. كيف يمكن له أن يمسح بيده على رؤوس أطفاله ويضمهم إلى صدره في البيت .. كيف له أن يبتسم في وجوه الناس ويحقق اجر الصدقة في وجوههم ... كيف له أن لا يتذكر كل الرؤوس التي جزها بسيفه بضربة واحدة ...ضربة واحدة ...
.
.
كان عمري احدى عشر سنة عندما شاهدت أول قصاص بالسيف في حياتي .. كان الأمر مخيفاً في البداية ثم لازمني في حياتي الدنيا كحلم متكرر .. سقط أمامي الصبي كشعرة ميتة على حافة مرحاض ... ثم بدأت في الكتابة محاولا التخلص من التصاق وجه الصبي الميت في راسي ..
.
.
رشدي الغدير


انتم مملون جداً و وجوهكم تثير الغثيان في نفسي

702780_4664282418166_692318182_n



للمرة الخامسة أفتح قائمة الأسماء في هاتفي أضغط (أتصال) على رقم والدتي رحمها الله ...و أجده مغلق ... ماذا كنت أنتظر بالضبط ؟؟ .. كنت أريد أتحدث مع والدتي الميتة ... اسألها عن صحتها وأخبرها عن وجوه تنهب روحي وتذكرني أنني أعيش حياة ليست حياتي وعن خيانة أقرب صديق لي وكيف أنه جعلني أكتشف أنني غير ملائم لغير بلاهة الحيتان الدائخة على شواطئ بحر دارين ... وها أنا بآباط محلوقة إلى آخرها وعانة مجلوخة بالموس أستعد للحياة و بداخلي مستعمرة صغيرة من الندم و البكاء .. أنا لست شاعراً يا أمي .. أنا مجرد حيواناً برياً قدرته على الضراط أقوى من قدرته على التعبير و التأمل ..........اللعنة ..هذا فيه مضيعة للوقت
.
.
أه يا أمي .. لقد وجدت نفسي محاطا بجماعة من الشعراء وكلهم مفلسون عن بكرة أبيهم تفوح من ثيابهم رائحة السجائر و الجنس و الحاجة .. تغرقهم الديون وتحبس دمائهم في كؤوس خمر رخيصة .. غادرتهم قبل قليل بعد أن مسحنا الغبار عن ذكرياتنا في النوادي اللأدبية وكيف أننا كنا نتظاهر بالبلاهة أمام رئيس النادي ونائبه وأعضاء مجلس الإدارة رغم ان أسخف شاعر فينا يكتب أفضل منهم جميعا ...

- أين ستذهب يا رجل ؟-
- ذاهب إلى حتفي .. -
- أجلس معنا قليلاً ... -
- انتم مملون جداً و وجوهكم تثير الغثيان في نفسي ..
- هههههههههه سحقاً لك أنت اقبحنا جميعاً ...

وها انا يا أمي أضع أعضائي المنهكة على هذا السرير الخالي من رائحة أنثى واحدة تشهر ثديها في وجهي قبل النوم ... أحب أصدقائي الشعراء الصعاليك وأتمنى لو أننا ولدنا في زمن مختلف ... ..يوما ما سنبعث من جديد يا أصدقائي الشعراء الصعاليك ... وسنهدي بعضنا جواري حسان مبرقعات بأطراف منحوتة عن أخرها ليرفعن ثيابهن حتى يجاوزن نحورهن فإذ هن مزبرجات بفضة شيبت بماء الذهب لهن صدور من الورد عليها قباب من عاج وخصور مطوية طي السجل وسرات مستديرة تحتها جنات من الزمرد الأزرق وأفخاذهن ممشوقة بالزعفران وسيقانهن ممتلئة بماء النارنج تهز خلاخل الذهب فنسمع صراخ رغباتهن باسمائنا يقلن : هيت لكم ايها الشعراء هيت لكم ... ...سحقاً لكم .... يجدر بي أن أنام الآن ...
.
سأكتب قصيدتي الأخيرة وبعدها سأعتزل الشعر والكتابة ..قد أتعلم كرة الماء أو قص اشجار الشوارع يوم الخميس ... سأتعلم الشك والتطريز .. سأعمل كمذيع .. سأعمل كبائع عطور متجول .. المهم أن لا أعود إلى مثل هذا الأمر ...
.
.
اشتقت لكِ يا أمي
.
.
رشدي الغدير