Translate
الاثنين، 30 ديسمبر 2013
الموت يبتسم لي بخبث ...
أقود سيارتي مع كامل مشاعر الخيبة والحزن عندما قررت (وبدون سبب واضح ) أن أمنح السيار القادمة من خلفي فرصة للعبور بدل من سيارتي في ردهة الجسر بين مدينة الخبر و الدمام .. لم يكن يوما مهماً ولا أتذكر السبب الذي جعلني أمر من هذا الشارع بالتحديد ... وعلى بعد ما يقرب من خمس خطوات فقط خرجت شاحنة من المجهول لتدهس السيارة التي أمامي وتسحقها بالكامل .. نظرت إليها وبالطبع فكرت في أنني كان من الممكن أن أموت الآن .. ماذا لو مت فعلا ؟ .. كانت هناك أحداث كثيرة ستتغير ..
فشيخ مرخ العنبجة
.
.
رشدي الغدير
الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013
كل ما في الأمر أنني ...

كل ما في الأمر أنني مشغول في تنظيف رأسي من الأوغاد ..فوجئت أثناء سرد أسمائهم القبيحة أنهم يشبهونني جداً حتى في طريقة مشيهم أثناء النوم ..والغريب أنني وجدت داخل رأسي ريش حمام قديم ومغبر، ودهشت كيف جاءت حمامة إلى رأسي دون علمي.. ووجدت رسائل حب كتبتها في زمان ما... ووجدت خوفي الوقح الذي داهمني في اللحظات الحاسمة من حياتي السابقة و عثرت على مشاعر القلق متكومة في زاوية رأسي لكنها مقطعة ومهمشة جدا...و وجدت حذاء قديماً جداً وحين قسته على قدمي اكتشفت أنه ليس حذائي ؟ .. ورحت اسأل نفسي عن سبب وجود هذا الحذاء في رأسي .. إنها مأساة أن أكتشف بعد مضي معظم العمر أن الأشياء التي في رأسي لا تنتمي لي بتاتاً وأن أجمل عاداتي هي أنني كنت أستخدم ورق القصائد : لنكش الأنف من الداخل واخراج القرف الملتصق الذي يضايقني أثناء الكتابة ...
.
.
كل ما في الأمر أنني كنت خلال السنوات الكثيرة التي عبرت لم أتوقف لتنظيف رأسي بشكل جدي ..لهذا رحت أستعد لفصل الأهمال القادم وأجبرت نفسي على النسيان ذائع الصيت ..النسيان الذي ينقذني من الألم و الندم والجوع ..وبعد أن تعبت من إصلاح ذات البين في رأسي تمددت على سريري الفاخر الذي وجدته داخل رأسي .. ويبدو أنني أطلت في التمدد لدرجة أنني عندما صحوت لم أجرؤ على البحث في رأسي عن نفسي وكأنني أصبحت غريبا عني، بالأحرى لم أعرفني لهذا فأنا لم أجدني ..كل ما في الأمر أنني مشغول ..في البحث عن نفسي ...
.
.
كل ما في الأمر أنني كنت أنظف رأسي من الأوساخ الكثيرة و وجدت : أصدقاء سفلة ...عاهرات جميلات ... عاهرات مثقفات ... عاهرات فقط ...علب سردين أكلت نصفها ... أجنحة دجاج مقلية ... سيارة بورش حمراء ... صرصور يزحف مبتسما على جدار رأسي .. نباح كلاب ... أعداء يجوبون رأسي دون هوادة ... قصائد غبية ... سامحيني يا أمي ...فتاة القمح تبتسم ... إبريق الشاي ... أغنية قديمة ... ارغفة خبز لم أكمل أكلها .. سحقا لك .. رشدي أنت ولد لا تصلح لشيء ... لا تضربني يا أبي ...دراجة نارية ... خزعبلات ... باب مسجد ... مخالفات مرورية ... داهمني إحساس غريب وأنا منخرط في أعمال التنظيف داخل رأسي : لماذا أصبحت لا أهتم بمن أحبهم و بمن أكرههم و لماذا أتخيل نفسي ميتاً ..رغم أنني ميت تماما حتى أنني مازلت مبتسما رغم موتي الواضح ....
.
.
كل ما في الأمر أنني ميت أحاول التشبث بذكرياتي القليلة ...فقط ...
.
.
رشدي الغدير
الجمعة، 20 ديسمبر 2013
مصباح الشارع المكسور
كلما فتحت نافذة غرفتي وجدت مصباح الشارع المكسور ينظر مباشرة إلى كتفي ..أفكر جدياً في أن أهبه عيني ليضيء ...عندما رأيت الضباب لأول مرة في مدينة الدمام ظننت بأن الساعة قد حانت ..رفعت يدي إلى السماء و قلت :أيها الرب ..ماذا سيحدث لمصباح الشارع المكسور ؟ .. وها أنا أكتب هذا الهراء وأنظر إلى المصباح وأبتسم ...
.
.
في عيون القراء أبدو يائسا تماما من كل شيء ..رغم أنني أكتب لهم دون أن ألتفت لاحتباس البول الذي يفاجئني ويدمر حواسي الأخرى .. أكمل الكتابة بحرص وروية وبمثانة محتقنة أعبر بين نقطتين .. ورغم هذه التضحية التي قد تسبب لي تسمما في الدم او عطبا في الكلية ما زال القراء يظنونني عابثا فقط .. يحدث لي هذا عندما أفرغ صندوق الرسائل الخاصة في الفيس بوك وأجد أن أغلب رسائل القراء فيها تهجم شخصي .. القراء يشبهون الفئران التي نهشت صدور الدجاجا قبل أن تنتف ريشها في الهواء .. لا بأس .. لا بأس .. سأدعهم يثرثرون ريثما أعبئ الزمن في زجاجات البيبسي الفارغة غير عابئٍ بانفعالات القراء الغبية ... وسأهب عيوني لمصابيح الشوارع المكسورة وذراعي لأعمدة الإنارة العرجاء ...
.
.
في الكتابة وحدها أفتح حواسي كثقوب ..أتسلق جدران الممكن و المستحيل على رؤوس مجانين لهم شكل النحلة .. النحلة التي وجدت بقايا أمعاءها في العسل .. العسل الذي لم أتذوقه في حياتي .. حياتي التي تترنح كالهواء بين أصابعي ... أصابعي التي تشير إلى ضدي ... ضدي المتنافر معي والذي يتحدث معكم دون هوادة ... لم أكن أعرف أنني أنا هو مصباح الشارع المكسور حتى وجدت ورقة في جيبي كتب عليها : أيها المصباح المكسور لا تترك شارعك وتتجول في شوارع الأخرين ... فما كان مني غير اخراج علبة سجائر من رأسي وشرعت أدخن حتى تجمد دمي وتيبست عروقي و وقفت أنظر مباشرة إلى كتفي من نافذة غرفتي وأقول : كلما فتحت نافذة غرفتي وجدت مصباح الشارع المكسور ينظر مباشرة إلى كتفي ..أفكر جدياً في أن أهبه عيني ليضيء ...
.
.
رشدي الغدير
الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013
لا تبتسم أرجوك يا أبي ...

الفتاة الصغيرة التي صفعتها على فمها قبل سنوات عندما وقعت عليها متلبسة بدمغ شفاهها بقلم حُمرة لأمها قفزت بسرعة وأصبحت في العشرين .. كان عليّ أن أكون هناك لأمنعها من التحول إلى امرأة فاتنة مكللة بالورد ..كان عليها البقاء متمسكة في طفولتها وأن لا تكبر أبدا .. وها أنا اليوم أصاب بالضجر و الوحدة مثل كرسي قديم في بيت امرأة مسافرة أنصت لدوران المفتاح في قفل الباب متلهفا لمؤخرة تمنحني معنى لحياتي المتخشبة ... ينتابني شعور الخيبة وأنا أستمع إلى مقطوعات موسيقة قديمة مشوشة على« اليو تيوب» ... تعالي هنا يا أبنتي سأحدثك عن رجل وحيد كلما شعر بالضجر راح يمسح الغبار عن الظهيرة فيما التراب يسقط من يده مباشرة إلى فمه الشاسع ...
.
.
- لا تبتسم أرجوك يا أبي ...
- لماذا يا أبنتي ؟
- أنت نادرا ما تبتسم وكلما أبتسمت أكتشف أنك لست أبي الذي أعرفه ...
- لم أفهم يا أبنتي ...
- أنت متجهم دائماً لسبب مجهول .. في الواقع أنا اعتدت على رؤيتك غاضبا طوال الوقت لذا لا أريدك أن تبتسم حتى لا أفقد الخيط الخفي الذي يربط وجهك مع الأشياء في مخيلتي ...
- حسناً يا أبنتي .. أعدك أن لا أبتسم ...
.
.
سألتني أبنتي عن الجرح في كتفي .. لم يك مجرد جرح عادي حفره بغدر طائش الطرف المدبب لحقيبة الصبي المدرسية التي كان يحملها معلقة على ظهره كل صباح منذ أربعين سنة تائهة .. أقنعت أبنتي ان الجرح في كتفي هو ختم النبوءة وأنني نبي مؤجل ما زال ينتظر رسالته من السماء .. الرسالة التي لم تعد صالحة لهذا الزمن .. الجيد في الأمر أن أبنتي تصدق كل تفاهاتي وتأخذها على محمل الجد … لفرط الثقة ربما … او لعلها تهزء بي في داخلها وتعتبرني مجرد أحمق ..
.
تعلم أبنتي جيداً أنني لا أحتاج إلى معجزة من الله لأكون متواجدا دائما في حياتها الدنيا و حتى لا يبدأ وجهي في التلاشي فجأة من ذاكرتها .. قد لا أكون جديرا بمعجزة من الله لتبقيني على نفس الشكل خاصة في وجود كل الشيعة و السنة التعساء والفقراء والمحتاجين في العالم … سأموت يوما ما وستصبح أبنتي يتيمة .. ليس عليها أن تحزن أو تتعايش مع موتي هي فقط تحتاج أن تشاهد التلفزيون كثيراً .. وستنساني بسهولة ..
.
أنتم لا تعرفون شعور الأب الذي تعتقد أبنته أنه يمتلك تفسيرا لكل شيء … فيما هو يجهل نفسه ويخاف من ذكرياته الدموية ويبكي قبل النوم كل ليلة على الأشخاص الذين قتلهم ….. يقول لنفسه : أيها الوغد عليك ألا تتورط مطلقا بالفخ الذي يكشف عن طبيعة عملك كقاتل مأجور أمام أبنتك … لا تتحدث كثيرا وأحذف أجزاء من شخصيتك أمامها ..و ابتسم مثل كل الأباء البلهاء في العالم … اللعنة …هذا فيه مضيعة للوقت
.
.
رشدي الغدير
الاثنين، 16 ديسمبر 2013
لم يعد لدي أحد اتحدث معه

أقف أمام باب شقتي متوتراً .. شيء ما يمنعني من دفع الباب واجتياز المسافة التافهة إلى الداخل .. يمر موكب صغير من النمل بجانب حذائي في صمت ..ولا نملة واحدة تلقي علي السلام رغم أنهم يسرقون فتات الخبز الذي أتركه متعمدا أسفل الطاولة .. أضع المفتاح في جيبي وأستدير عائداً إلى الشارع … وجوه الناس تبدو الآن متشابهة و جاهزة للموت أكثر من أي وقت مضى .. أشاهد والدي الميت يمشي على الرصيف وهو يدخن سيجارته الهائلة .. لا ألتفت إليه .. أكمل طريقي … تمر أمي الميتة في جانبي ولا التفت إليها رغم ارتعاش الحزن في وجهي ورغبة ملامحي في الالتصاق بها ..لكن لا التفت … أكمل طريقي … تدمع عيناي … أقول في نفسي أنهما ميتان ولهما الحق أن يفعلا ما يشاءان .. خشيت إن نظرت إليهما أن يتوقفا عن أن يبدوا أحياء هكذا…
.
لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن افتعالي لمظاهر السعادة أمام الناس .. لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن خوفي من باب شقتي الأعمى الذي ينتظر مني أن أغرس في رأسه عيون ساحرة ليشاهدني كلما توقفت متوتراً أمامه .. لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن سخافة مرور مواكب النمل في جانب حذائي … لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن لهفتي في إلقاء التحية على والدتي الميتة في الشارع و طلب سيجارة من والدي الميت كلما شاهدته يمشي على الرصيف ..الحياة لم تعد تسمح لأحد أن يخصص وقتا من أجلي … قدرتي على الاحتمال تتناقص تدريجيا .. وحدها الساعة في معصمي تعرف جيداً أن نهايتي تقترب وأنني مجرد رجل ممزق يحاول التوصل لهدنة مؤقتة مع عقربي ساعة نشيطين ومفترسين …
.
.
أنا المشتت مثل صرخة عالقة في حناجر المقتولين داخل الحروب الطائفية بين الشيعة والسنة .. كيف لي أن أستعيد نفسي التي قسمتها كرغيف خبز بين أطفال العائلة …قضيت حياتي في امتحانات صعبة ومرهقة قبل أن أدرك ماذا أريد تحديداً ولكن بعد فوات الآوان … أقف على شفير النهاية مثل إله يكتشف أنه غير معني بأديانه السماوية التي تكفر بعضها البعض ولا يحفل لكل هذه المذاهب بين المسلمين .. أشعر بالخيبة مثل ساعي البريد الذي أكتشف أنه كان يسلم الرسائل الفارغة إلى الأموات .. وبثقة عصفور يفضل القفص الضيق على هراء الطيران والحرية أقف أمام باب شقتي متوتراً وخائفاً .. ثمة شيء ما يمنعني من دفع الباب واجتياز المسافة التافهة إلى الداخل … شيء ما … لا أفهمه …
.
.
رشدي الغدير