Translate

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

لم يعد لدي أحد اتحدث معه

 

 

7972aa8a65e911e381ee0e1a2586fc7b_8

 

أقف أمام باب شقتي متوتراً .. شيء ما يمنعني من دفع الباب واجتياز المسافة التافهة إلى الداخل .. يمر موكب صغير من النمل بجانب حذائي في صمت ..ولا نملة واحدة تلقي علي السلام رغم أنهم يسرقون فتات الخبز الذي أتركه متعمدا أسفل الطاولة .. أضع المفتاح في جيبي وأستدير عائداً إلى الشارع … وجوه الناس تبدو الآن متشابهة و جاهزة للموت أكثر من أي وقت مضى .. أشاهد والدي الميت يمشي على الرصيف وهو يدخن سيجارته الهائلة .. لا ألتفت إليه .. أكمل طريقي … تمر أمي الميتة في جانبي ولا التفت إليها رغم ارتعاش الحزن في وجهي ورغبة ملامحي في الالتصاق بها ..لكن لا التفت … أكمل طريقي … تدمع عيناي … أقول في نفسي أنهما ميتان ولهما الحق أن يفعلا ما يشاءان .. خشيت إن نظرت إليهما أن يتوقفا عن أن يبدوا أحياء هكذا…




.
.
لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن افتعالي لمظاهر السعادة أمام الناس .. لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن خوفي من باب شقتي الأعمى الذي ينتظر مني أن أغرس في رأسه عيون ساحرة ليشاهدني كلما توقفت متوتراً أمامه .. لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن سخافة مرور مواكب النمل في جانب حذائي … لم يعد لدي أحد اتحدث معه عن لهفتي في إلقاء التحية على والدتي الميتة في الشارع و طلب سيجارة من والدي الميت كلما شاهدته يمشي على الرصيف ..الحياة لم تعد تسمح لأحد أن يخصص وقتا من أجلي … قدرتي على الاحتمال تتناقص تدريجيا .. وحدها الساعة في معصمي تعرف جيداً أن نهايتي تقترب وأنني مجرد رجل ممزق يحاول التوصل لهدنة مؤقتة مع عقربي ساعة نشيطين ومفترسين …
.
.
أنا المشتت مثل صرخة عالقة في حناجر المقتولين داخل الحروب الطائفية بين الشيعة والسنة .. كيف لي أن أستعيد نفسي التي قسمتها كرغيف خبز بين أطفال العائلة …قضيت حياتي في امتحانات صعبة ومرهقة قبل أن أدرك ماذا أريد تحديداً ولكن بعد فوات الآوان … أقف على شفير النهاية مثل إله يكتشف أنه غير معني بأديانه السماوية التي تكفر بعضها البعض ولا يحفل لكل هذه المذاهب بين المسلمين .. أشعر بالخيبة مثل ساعي البريد الذي أكتشف أنه كان يسلم الرسائل الفارغة إلى الأموات .. وبثقة عصفور يفضل القفص الضيق على هراء الطيران والحرية أقف أمام باب شقتي متوتراً وخائفاً .. ثمة شيء ما يمنعني من دفع الباب واجتياز المسافة التافهة إلى الداخل … شيء ما … لا أفهمه …
.
.
رشدي الغدير

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق