Translate

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

لا تبتسم أرجوك يا أبي ...

IMG_20130914_115002

الفتاة الصغيرة التي صفعتها على فمها قبل سنوات عندما وقعت عليها متلبسة بدمغ شفاهها بقلم حُمرة لأمها قفزت بسرعة وأصبحت في العشرين .. كان عليّ أن أكون هناك لأمنعها من التحول إلى امرأة فاتنة مكللة بالورد ..كان عليها البقاء متمسكة في طفولتها وأن لا تكبر أبدا .. وها أنا اليوم أصاب بالضجر و الوحدة مثل كرسي قديم في بيت امرأة مسافرة أنصت لدوران المفتاح في قفل الباب متلهفا لمؤخرة تمنحني معنى لحياتي المتخشبة ... ينتابني شعور الخيبة وأنا أستمع إلى مقطوعات موسيقة قديمة مشوشة على« اليو تيوب» ... تعالي هنا يا أبنتي سأحدثك عن رجل وحيد كلما شعر بالضجر راح يمسح الغبار عن الظهيرة فيما التراب يسقط من يده مباشرة إلى فمه الشاسع ...
.
.
- لا تبتسم أرجوك يا أبي ...
- لماذا يا أبنتي ؟
- أنت نادرا ما تبتسم وكلما أبتسمت أكتشف أنك لست أبي الذي أعرفه ...
- لم أفهم يا أبنتي ...
- أنت متجهم دائماً لسبب مجهول .. في الواقع أنا اعتدت على رؤيتك غاضبا طوال الوقت لذا لا أريدك أن تبتسم حتى لا أفقد الخيط الخفي الذي يربط وجهك مع الأشياء في مخيلتي ...
- حسناً يا أبنتي .. أعدك أن لا أبتسم ...
.
.
سألتني أبنتي عن الجرح في كتفي .. لم يك مجرد جرح عادي حفره بغدر طائش الطرف المدبب لحقيبة الصبي المدرسية التي كان يحملها معلقة على ظهره كل صباح منذ أربعين سنة تائهة .. أقنعت أبنتي ان الجرح في كتفي هو ختم النبوءة وأنني نبي مؤجل ما زال ينتظر رسالته من السماء .. الرسالة التي لم تعد صالحة لهذا الزمن .. الجيد في الأمر أن أبنتي تصدق كل تفاهاتي وتأخذها على محمل الجد … لفرط الثقة ربما … او لعلها تهزء بي في داخلها وتعتبرني مجرد أحمق ..
.
تعلم أبنتي جيداً أنني لا أحتاج إلى معجزة من الله لأكون متواجدا دائما في حياتها الدنيا و حتى لا يبدأ وجهي في التلاشي فجأة من ذاكرتها .. قد لا أكون جديرا بمعجزة من الله لتبقيني على نفس الشكل خاصة في وجود كل الشيعة و السنة التعساء والفقراء والمحتاجين في العالم … سأموت يوما ما وستصبح أبنتي يتيمة .. ليس عليها أن تحزن أو تتعايش مع موتي هي فقط تحتاج أن تشاهد التلفزيون كثيراً .. وستنساني بسهولة ..
.
أنتم لا تعرفون شعور الأب الذي تعتقد أبنته أنه يمتلك تفسيرا لكل شيء … فيما هو يجهل نفسه ويخاف من ذكرياته الدموية ويبكي قبل النوم كل ليلة على الأشخاص الذين قتلهم ….. يقول لنفسه : أيها الوغد عليك ألا تتورط مطلقا بالفخ الذي يكشف عن طبيعة عملك كقاتل مأجور أمام أبنتك … لا تتحدث كثيرا وأحذف أجزاء من شخصيتك أمامها ..و ابتسم مثل كل الأباء البلهاء في العالم … اللعنة …هذا فيه مضيعة للوقت 
.
.
رشدي الغدير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق