فضلت ان اظل معتكفا في شقتي اطالع بشغف قصائد لمشيل ديغي الذي اعتبره الوريث الشرعي لرينيه شار الذي احب قصائده مثلما احب قصائد مظفر النواب تماما. وفي فترات استراحة متباينة ادعو صديقي الوغد الذي يشبهني فلا يحضر ابدا ثم أعود بعد ان أترك اغاني فيروز تدور على الاسطوانة في الوقت الذي اكون فيه انا نائما مع ثمالتي.
انا في الدمام منذ اعوام طويلة. اتيت صدفة من اقصى القطيف من دارين تحديدا ظننت ان المكان لا يمثل اي فارق بنسبة لرجل اعتاد ان يكون وحيدا دائما ولا اعلم كيف انفيت نفسي بنفسي، ولهذا تكيفت مع المنفى دون الحاجة لارتمي بواجهة اجتماعية تدعوني في الايام الباردة لارفع لافتة واطالب بحصة من الرفقة اسوة بالحصة التي ينالها جاري الزهراني كتعويض عن ايام رحيله من الجنوب
الدمام من المدن التي تحتفي بالجمال على طريقة الصمت المفضوح، اي انها لا تملك شيئا تظهره للناس ، ولذلك صارت الحياة فيها ادراكا لرغبة المنفى، اي انها تحاول جاهدة ان تنسي المنفي منفاه من خلال تنوع الاشتغال. فليلها مقسم بطريقة غريبة. كل خمس دقائق حدث ما. فمن مطبات وحفر شوارعها الى العنصرية المقيتة في ارواح سكانها وتحري جذور اصدقاء تظنهم شيعة مؤجلين او سنه متشددين الى مطاعمها الاعتيادية ونمطية التجول في ازقتها الرتيبة وبحرها الكسول من اول موجة الى اول خيوط الفجر الى ان اشعر بالنوم
يحدث كثيرا ان انام في سيارتي امام البحر
مثل نورس مكبل
عالم من غرائبية الحدث تهت به شهورا وكأن غياب الوعي بما ملكت من طفولة وصبا قد تملكني. اما شبابي فهو لم يغادرني لانه كان ببساطة شبابا الهروب من الموت وكيف ينسى مراهق من دارين يتكلم بلهجة مضحكة عند البدو وهي خليط غير منسجم من اللهجة البحرينية وقليل من هسيس الاحساء والقطيف يضحك ابناء القبيلة الاوغاد كلما وصف لهم غربته والمه وتمزقه الخفي
اعرف ان صمتي هو الذي وصل بي الى كشف كينونتي المنفية الكينونة التي يخشى الوصول اليها حتى فلاسفة الاغريق لهذا فأن الوصول الى تذكر ما كنا عليه في مدينة مثل الدمام امر صعب جدا.كانت الحياة في مثل هذه المدينة تمثل نمطا مخيفا من التكيف مع شيء. فالثقافات مثل تلك السجادة المطرزة بحكايات الميثولوجيا الطيبة والتي كانت امك [حصة ] تفرشها لعجائز دارين يوم تقيم قداس والدك الكادح بين شارع ابو حدرية وشركة ارامكو وكنت انت وقتها تغادر رغبتك الليلة باكمال دراسة مبكرة عن شاعر صعب التناول لكنك منذ ان بدأت المتوسطة حتى قررت ان تدخل في جب دهشه جمالية الصورة عند سان جون بيرس
كنت مراهق غبي يهتم بأشياء لا يهتم بها غير المجانين
وكان استاذ الفقه الفلسطيني يوبخني كلما وجد في حقيبتي كتاب لشاعر لا يعرفه
يهمس في اذني
رشدي انت ولد طيب فلماذا تضع كتب الملحدين والكفرة بجانب كتاب الفقه والتوحيد في الحقيبة
سأخبر والدك ومدير المدرسة ان فعلت هذا من جديد
وانا اهز رأسي مثل احمق
يخفي كراهيته لمدرس اعمى
سأكتشف بعد سنوات انه حمساوي يكره فتح ويكره ماركس ويكرهني
Translate
الأحد، 26 أبريل 2009
انا في الدمام منذ اعوام طويلة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق