في أخر مرة قتلت نفسي فيها مرت سيارة الشرطة بجانبي وهي تحمل جثتي ... فما كان مني غير الركض خلفها بأقصى سرعة ... لكن الشرطي لم يتوقف .. ولأنني كنت ميت وجثتي داخل سيارة الشرطة وأنا أركض خلفها تعثرت بحفرة وسقطت في وسط الشارع لتدهسني كل السيارات المسرعة بما فيهم سيارة الشرطة التي تحمل جثتي .. أنتم تعلمون أنني
( بخير دائماً وحتى لو دهستني سيارة سأكون بخير )
قمت من وسط الشارع وأكملت الركض خلف سيارة الشرطة وعندما وصلت مديرية شرطة غرب الدمام وفي غرفة التحقيق نبت لي رأس جديد بجانب رأسي ومن نفس الكتف ... قال لي : أهلا اسمي رشدي وأنت .. قلت له انا رشدي أيضاً ثم طلب مني سيجارة ثم راح يلعن القطط وباصات النقل العامة وملابس النساء الداخلية وهو يقهقه في وجه ضابط التحقيق الذي هرب من شدة الفزع وترك خلفه مسدسا مستعمل و سكين لتقشير البرتقال ...
.
قال الرأس الجديد الذي نبت في جانب رأسي ومن نفس الكتف : حسناً ... وجهك اليوم لم يكن طبيعيا ..كأنك كنت تستعد للخبر المحزن .. أنت مثلا لم تبدأ يومك بالسلام على صورة والدك المنتصبة أمامك على الجدار كالعادة ... بل أكتفيت بنظرة خاطفة وسريعة لذقنه المشحوذ جيداً ... كما أن سكان العمارة لم يسمعوا صوت تشغيلك لسيارتك ( أم كنعان ) وطريقتك في حرق الشارع كلما انطلقت بها محفوفا بالموت والذهول إلى عملك الممل ... حتى عندما جاءت فترة الظهيرة لم يرك أحد تشتم المدير الشاذ الذي يكرهك دون سبب ... خارج المكتب كنت تراقب السماء كنبي ينتظر رسالته الأخيرة ... كنت صامتاً ... صامتاً فقط قبل أن تموت وتحمل سيارة الشرطة جثتك وأنت تركض خلفها ...
.
ثم فجأة فتح السقف في مركز الشرطة ونزل ملاك أخذني من يدي ثم وضعني مع المتشككين والملاحدة والمهرطقين والشعراء والفقراء و سائقي باصات النقل العام وموظفي البنوك وموظفات الأستقبال في المستشفيات الخاصة راحو يساقون إلى جهنم ... وأنا معهم تدفعنا ملائكة العذاب يكسوهم الغضب و التعابير الموحشة على وجوههم ... أخذونا في أودية ملتهبة داخل جهنم تذوب الصخور من حرارتها ثم وضعوا على رقابنا مقامع الحديد ودفعونا في جوف الحفر ذات السبعين خريفا ... قلت للملائكة أن ثمة خطأ ما ... و طلبت منهم التأكد من سجلاتهم جيداً ... أقنعتهم أن مكاني المثالي هو الجنة في الفردوس الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين و الوزراء والأمراء من ال سعود وتجار المواشي و تجار السمن وتجار الملابس النسائية و أصحاب محلات قطع غيار السيارات الألمانية ... لكنهم لم يستمعوا لي وراحوا يضعون في فمي أغصان من شجرة الزقوم وأكواب من طينة الخبال .. ثم علقوني بخطاف غرسوه في كتفي ... وأحرقوني ... استيقظت من الحلم وأنا أشعر بألم في كتفي وعنقي وحرارة في حلقي كما انني عطشان جداً ...
.
.
الحمدلله
لقد كان مجرد حلم ...
.
.
لكن .. أين رأسي ؟؟
.
.
رشدي الغدير