Translate

الجمعة، 27 يوليو 2012

أنا بخير دائماً وحتى لو دهستني سيارة سأكون .. بخير

 




في أخر مرة قتلت نفسي فيها مرت سيارة الشرطة بجانبي وهي تحمل جثتي ... فما كان مني غير الركض خلفها بأقصى سرعة ... لكن الشرطي لم يتوقف .. ولأنني كنت ميت وجثتي داخل سيارة الشرطة وأنا أركض خلفها تعثرت بحفرة وسقطت في وسط الشارع لتدهسني كل السيارات المسرعة بما فيهم سيارة الشرطة التي تحمل جثتي .. أنتم تعلمون أنني


( بخير دائماً وحتى لو دهستني سيارة سأكون بخير )


قمت من وسط الشارع وأكملت الركض خلف سيارة الشرطة وعندما وصلت مديرية شرطة غرب الدمام وفي غرفة التحقيق نبت لي رأس جديد بجانب رأسي ومن نفس الكتف ... قال لي : أهلا اسمي رشدي وأنت .. قلت له انا رشدي أيضاً ثم طلب مني سيجارة ثم راح يلعن القطط وباصات النقل العامة وملابس النساء الداخلية وهو يقهقه في وجه ضابط التحقيق الذي هرب من شدة الفزع وترك خلفه مسدسا مستعمل و سكين لتقشير البرتقال ...


.


قال الرأس الجديد الذي نبت في جانب رأسي ومن نفس الكتف : حسناً ... وجهك اليوم لم يكن طبيعيا ..كأنك كنت تستعد للخبر المحزن .. أنت مثلا لم تبدأ يومك بالسلام على صورة والدك المنتصبة أمامك على الجدار كالعادة ... بل أكتفيت بنظرة خاطفة وسريعة لذقنه المشحوذ جيداً ... كما أن سكان العمارة لم يسمعوا صوت تشغيلك لسيارتك ( أم كنعان ) وطريقتك في حرق الشارع كلما انطلقت بها محفوفا بالموت والذهول إلى عملك الممل ... حتى عندما جاءت فترة الظهيرة لم يرك أحد تشتم المدير الشاذ الذي يكرهك دون سبب ... خارج المكتب كنت تراقب السماء كنبي ينتظر رسالته الأخيرة ... كنت صامتاً ... صامتاً فقط قبل أن تموت وتحمل سيارة الشرطة جثتك وأنت تركض خلفها ...


.


ثم فجأة فتح السقف  في مركز الشرطة ونزل ملاك أخذني من يدي ثم وضعني مع المتشككين والملاحدة والمهرطقين والشعراء والفقراء و سائقي باصات النقل العام وموظفي البنوك وموظفات الأستقبال في المستشفيات الخاصة راحو يساقون إلى جهنم ... وأنا معهم تدفعنا ملائكة العذاب يكسوهم الغضب و التعابير الموحشة على وجوههم ... أخذونا في أودية ملتهبة داخل جهنم تذوب الصخور من حرارتها ثم وضعوا على رقابنا مقامع الحديد ودفعونا في جوف الحفر ذات السبعين خريفا ... قلت للملائكة أن ثمة خطأ ما ... و طلبت منهم التأكد من سجلاتهم جيداً ... أقنعتهم أن مكاني المثالي هو الجنة في الفردوس الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين و الوزراء والأمراء من ال سعود وتجار المواشي و تجار السمن وتجار الملابس النسائية و أصحاب محلات قطع غيار السيارات الألمانية ... لكنهم لم يستمعوا لي وراحوا يضعون في فمي أغصان من شجرة الزقوم وأكواب من طينة الخبال .. ثم علقوني بخطاف غرسوه في كتفي ... وأحرقوني ... استيقظت من الحلم وأنا أشعر بألم في كتفي وعنقي وحرارة في حلقي كما انني عطشان جداً ...


.


.


الحمدلله


لقد كان مجرد حلم ...


.


.


لكن .. أين رأسي ؟؟


.


.


رشدي الغدير


 

اللعنة ..كمْ أنتَ قبيح ... كمْ أنتَ قبيح ..

 كنت أحلق ذقني هذا الصباح .. فرأيت رجلاً في المرآة ينظرُ إلي بقرف قال لي : كمْ أنتَ قبيح ... قلت له شكراً هل هناك شيء أخر ... ثم أكملت شحذ خدي وهو يراقبني بقرف ... خرجت من الشقة دون أن ألتفت .. سمعته يصرخ من داخل المرآة : كمْ أنتَ قبيح ... كمْ أنتَ قبيح .. مرت أربع ساعات عجاف ومازال صوته في رأسي ... كمْ أنتَ قبيح .. كمْ أنتَ قبيح ...  ...


.

تقول ابنتي إنَّ التلميذات في صفها يقلن أنني أكتب أدباً إباحياً _ أهذا صحيح؟" يا بابا .. ابتسمت بسخرية وقلت لها : نعم هذا صحيح يا أبنتي ...ثم سمعتها تصرخ من داخل روحها : كمْ أنتَ قبيح ... كمْ أنتَ قبيح ..

.

ليس بالضروره أن أشك حتى اعرف أنني موجود فهناك امو كثيره تثبت وجودي ... مثل ماذا ؟؟

مثل ماذا ؟؟ 

سأبحث عن مغزى حياتي في قوقل و ويكيبيديا ... أنتم لا تملكون اجابة واحدة لسؤالي الهائل هذا ...

اللعنة أنا أسمعكم وأنتم تقولون : كمْ أنتَ قبيح ... كمْ أنتَ قبيح

.

حين أموت لا أريد أن يمشي في جنازتي أمراء من ال سعود ولا شعراء ولا نقاد ولا صحفيين ولا رسامي كاركاتير ... حين أموت أريد أن يحمل جثماني سباك حارتنا أبو اسماعيل وأن يمشي في جنازتي كل سائقي سيارات التاكسي في الدمام .. أيها النبلاء أرجوكم حققوا لي هذه الأمنية ... وأعدكم أن لا أعود من الموت إلا لحلق ذقني فقط ....لأنني ..قبيح ..جداً

.

رشدي الغدير

 

الخميس، 26 يوليو 2012

لن يعود والدكم من الموت يا صغاري ...

 مثلما كان يحدث في الماضي ؛ كنت سآخذك من يدك البعيدة جداً وأذهب بك إلى حجرة أبي وأجلس على الأرض واضعا ذقني على ملامحك الصغيرة وسأتلو عليك جزء من الكتب القديمة التي يحتفظ بها أبي في دولابه الواحد تلو الآخر .. كنت سأقرأ الحكايات الخالية من الموت وأنا أستمع إلى الدهشة الخفيفة في عيونك .. لكن يدك البعيدة تمسك بالغياب وتحاول التعتيم على خلودها .. كلما سألتني : هل سيعود أبي من السماء .. الأموات لا يعودون من السماء يا أحمد دعني أكمل لك القراءة ... تفشل عيونك في حبس دموعها كما تفشل روحي في تأثيث علاقة موشكة مع النسيان ... تمسح دموعك وتلتفت إلى كرسي والدي وتقول : أرأيتِ كيف أن الموت لا يمكن أن يخطيء أبدا في اختيار من نحبهم؟ ... الموت أبن الكلب يريد أن يذكرك بأنك ـ ككل الآخرين ـ تمتلك حزناً عليك رعايته جيدا ... نعم يا أحمد معك حق دعني أكمل القراءة ... لكنك تنتخب المؤذي من الجهات لتشير بأصبعك النحيل إلى الكرسي الذي تفوح منه ذكريات الطفولة بكل ما تستوعبه من مشاهد وحكايات وملامح .. لديك دائما إمكانية أن تضعني في المهب يا أحمد .. كأنك تنتزع يدك البعيدة جداً ...


.

أيتها الرشيقة الأنيقة ذات الشعر المخملي الطويل لا تفزعي كلما فتحتي باب غرفتي وكأنكِ تدخلين مغارة ساحر يمارس طقوسا مخيفة ...لقد كنت أكتب الشعر .. وكان قلبك الصغير يدق بشده وأطرافكِ ترتعش لهول نظرتي الحادة والصوت القوي والعميق الذي يظل رنينه يتردد في فراغ الحجرة للحظات بعد غيابه .. لم أقصد أن أثبت كل هذا الرعب في عيونكِ ... ولفرط الفزع تهرولين كفكرة سريعة لتحضني ذراعي الطويلة وتهمسي في خوف :هل سيعود أبي من السماء .. الأموات لا يعودون من السماء يا فاطمة دعيني أكمل عملي ... ترتجف الغصّة الغليظة في حلقكِ وتتوسلين بعينين مذعورتين لليد السمينة التي تمسح على شعركِ المخملي .. لقد زارني بابا البارحة في الحلم يا رشدي ... يا فاطمة أن الأشياء التي نصفها بالأحلام ليست دليلا على يقين ما كذلك الأشخاص في الحلم أنهم يذكروننا طوال الوقت بأنهم غير موجودين هم أموات فقط ... أموات .. اللعنة على قسوتي المتبجحة .. كانت كفيلة بأنهمار دموعك الساخنة لثلاثة أيام متتالية .. سامحيني يا فاطمة

.

ماذا تطلبين مني أن أكون كي لا يتم تصنيفي كشاعر مجنون او كزنديق أو ملحد أو رويبضه ... أيتها العنقاء الموشومة بفجر البياض المنهال حتى أخر ثمالة البؤبؤ الفاتن ... أتريدين مني أن أكون الشاعر الذي يكتب قصائد الحب فقط ؟؟ أأجهش بالبكاء على فراق الحبيبة والطم خدي كمخنث ؟؟ مثل كل الشعراء الجبناء ؟؟ لقد ولدتُ نبياً من ماء ومتمرداً على كل القيم المتجمدة ولست موظفا عند أحد ولا ينبغي لي أن أكون .. لستُ محرّكاً للغرائز، بل محرقاً لها ومشعلها الأبدي وسادنها .. تقولين : يا أخي سيساء الظن بك، وبمواقفك سيتهمونك بالمجون والكفر والزندقة .. حسناً أيتها الفجر .. أنا لا أريد أن أكون إنساناً سوياً مقبولاً ومعترفاً به .. لا أريد أن أتحول إلى مجرد شخص يضاجع زوجته وينجب الأطفال ثم ينتظر الموت بخوف وريبة واستسلام ... لا أريد أن أتظاهر بالطهر والفرح والغباء ... أنا سيد البؤس اليائس من كل شيء وسأموت يائساً من كل شيء وفي النهاية سأضحك من منظر عربة محترقة وأبكي كلما أنتهى المشهد ...

.

رشدي الغدير

 

أنا الذي لا تفسير لصمتي ولا ينبغي لي أن أكون

 سكان المبنى المجاور لا يعرفونني .. تتدفق اللعنة بيني وبينهم بدون سبب واضح ... يستحلون الحر والحرير ومواقف السيارات لانفسهم ... أضطر لركن سيارتي في الهزيع الأخير من الشوارع الخلفية ... أنا الذي لا تفسير لصمتي ولا ينبغي لي أن أكون ... كلما اغلقت علي باب سيارتي أشعر أنني أغلق علي تابوتي لأعود في الليل أبحث عن قبر خالي أضعه فيه ... وكلما اعتراني أصابني بالغباء ..أجول باحثاً عن بقعة وطن صغيرة خالية ليست لاحد و كل ما أملك في يدي وقدمي عشرون إصبعاً فقط ... عشرون إصبعاً فقط يا أبناء الكلبة ... أتركوا لي مكانا اركن فيه سيارتي يا أبناء الكلبة ... هل أبدو لكم كأحمق لا يملك سيارة .. يا أبناء الكلبة


.

إن عدم تناولي صحن كبدة حاشي صباح الأثنين قبل ذهابي إلى مكتبي يشبه عدم القيام بالمداعبة الزوجية والتمهيد الفسيولوجي الجيد قبل الإيلاج ... أعشق كبدة الحاشي والحاشي هو البعير المراهق بعد تخطيه مرحلة الحوار الطفولية وقبل بلوغه مرحلة الفحولة المتمردة .. لعلمكم الحاشي إذا كبر وصار فحل وظهرت له أنياب فإنه قد يقتل شريكة حياته ويمزقها ... أخته البكرة وأمه الناقة وجدته فاطر ..ولعل جذوره الأبلية تعود للوضح او المغاتير او الصفر او الشعل او لعل نسبه مرتبط بعفراء او برصاء او قمراء او ملحاء ...في النهاية هو حيون لا عقل له و سيحوله الله إلى تراب يوم القيامه ...أتركوا لي صحن كبدة حاشي يا أبناء الكلبة

.

نومي متقطع و قليل مثل نوم الكلاب ... قبل دقائق كنت قد قررت أن أموت (صدقاً أقول لكم ) لكنني أجلت موتي قليلاً .. في الواقع أنا أجهل ما ينتظرني بعد الموت .. أقصد أنه حتى هذه اللحظة لم يعد أحدا من الموت ليحكي لي ما صادفه هناك وماذا يوجد بالضبط ... الأموات .. يالهم من أوغاد يذهبون بلا رجعة .. حسناً هل أموت الآن أم أموت فيما بعد .. ومَنْ أنا حتى أموت ؟ شاعر فاشل .. رجل تسجنه الأحجار في صدره .. مدمن البطيخ .. سيد الأوهام .. المختنق بشحومه المتراكمة ..الجار الصامت الذي لا يبتسم ...قاطع اشارات المرور الطيب جداً .. من أنا حتى أموت ؟ ... أنا لا شيء ... مجرد وغد جائع لم يأكل شيئا منذ البارحة ...أتركوا لي موتاً ممتد وشهي يا أبناء الكلبة 

.

رشدي الغدير

السبت، 7 يوليو 2012

الذبابة تكذب يا سيدي ..

 لدي مصعد كهربائي يصل إلى السماء الثامنة دون تأخير صنعته بينما كنتم تقشرون نصائحكم كبرتقال فاسد، وتضعونها في فمي لأبصقها في وجوهكم فيما بعد ... أشعر أن ثمة قنبلة موقوتة مكان خصيتي المباركة .. هذا الشعور يراودني دائماً كلما مشط رجال المباحث شعري بحثا عن خلية نائمة ..المصعد يسألني : هل أنت ولد عاق يا رشدي ؟؟ نعم للأسف أنا ولد عاق عاق جدا ..عاق لدرجة أنني كنت أشرب الخمر أمام والدتي المريضة قبل موتها بلحظات وهي تبكي ..لكن هذا لا يزعجني اطلاقاً أيها المصعد أرفعني إلى السماء الثامنة .. سأعلو كمئذنة أطل على الأحياء والأموات منكم يا أبناء البشر الضعفاء لقد قررت أن أرفق بكم وأشفق عليكم ..لعمري إنها أخبار مفرحة يالكم من محظوظون .. أغربوا عن وجهي الآن ...تكاد زجاجة الخمر أن تنفذ ...



.



أكره الكفن الابيض الغبي بلونه البسيط الساذج سيكون مزاجي أجمل لو تم وضعي في قبري بكفن مزركش وملون يشبه علم الدول الاوروبية ...حتماً سأعود إلى الجنة نهاية الأمر ... لقد مللت البقاء بين أبناء البشر الضعفاء ..أتغوط واتبول مثلهم ..وأنتظر الموت مثل النعجة أيتها النعاج ... ها أنا بعد خمسين سنه أكتشف أن الأمنيات تشبه الحيوانات المنوية تموت بسرعة إن لم تجد بويضة لتلقحها وتتحول الى أطفال لتولد بشكل سريع وطازج .. قبل أن أموت تذكروا أن تحت سريري كنز و كل القراصنة الذين عبروا هذا الممر لم تسعفهم أنوفهم ولا خرائطهم ولا غبائهم ولا ثرثتهم لأكتشافه ..هو لكم أنتم فقط...



.



.



لا أستطيع الكف عن التفكير بما قالته الذبابة وهي تسترخي على حافة اذني البارحة .. حتى أنني خرجت مسرعاً هذا الصباح و لم أنتبه أنني أمشي حافيا إلا حين رأيت عيون المارّة تتجه نحو قدمي .. اضطررت لدخول الكفتريا المجاورة وجلست في أول كرسي بجانب الزجاج الخارجي .. وجهي الملتصق بالزجاج كلّ من يمرّ في الخارج يراه أكثر إشراقاً وفرحاً رغم أنني حافي جداً .. طلبت قنينة ماء بريال واحد .. قال العامل : هل أضعت حذائك يا سيدي ... قلت له : لا .. حذائي في مكانه المناسب لكن الذبابة أقنعتني أن شوارع مدينة الدمام لا تحب الأحذية .. قال العامل : الذبابة تكذب يا سيدي ... الذبابة تكذب يا سيدي ...نعم أيها العامل هذا صحيح الذبابة تكذب ...



.



.



رشدي الغدير

الاثنين، 2 يوليو 2012

أواظب على تلقين الأطفال أغاني القدماء الجديرة بدمعة عابرة

 


 


هذه الفتاة الدوسرية الصغيرة هي غدير بنت أختي أتصلت قبل قليل وقالت لي : كالي رستي أنا أهبك تأااال بكره أيد ميلاتي: (خالي رشدي أنا أحبك و أريدك أن تأتي غدا هو عيد ميلادي ) فما كان مني غير إخفاء الوحش وارسال قبلة صغيرة لوجنتها .. غدا عيد ميلادها ماذا أشتري لها ؟؟ أنا بائس جداً في مثل هذه الأمور .. هل أشتري لها كتاب ام فرن ام تلفزيون ام ماذا ...


.


.


لقد قررت أن أحكي لها عن الدمام .. مدينة الحب والنفط والوجع والبخور ...


.




.




قبل خمسة وعشرون سنة تقريبا كان ثمة ثلاثة أولاد مفلسون جداً يركبون دراجاتهم ويتجولون في أحياء الدمام القديمة ... توقفوا عند حلاق هندي اسمه عارف ( في حي عبدالله فؤاد ) نزل أحد الأولاد من دراجته وطرق بابا الحلاق ... لقد طلب من الحلاق خمسة ريالات ليشتري بها ثلاث علب بيبسي وكيس بطاطس لأصحابه سيتقاسمونه بفرح ... بعد خمسة وعشرون سنه عاد نفس الولد ليحلق ذقنه عند نفس الحلاق وليعطيه خمسمائة ريال ثمن الحلاقة ...قال الحلاق عارف : يا سيدي ثمن الحلاقة عشرة ريالات فقط ... لكن الرجل قال : هذه لك يا عارف لقد كنت لطيفا معنا قبل خمسة وعشرون سنه ... كان الولد الذي كبر هو الفنان راشد الماجد ... والأصدقاء الثلاثة هم أنا والشاعر صلاح المتعب ... .. شكرا يا راشد الماجد لأنك لم تنسى الحلاق عارف ...


.


.


الدمام .. يا مدينتي الحزينة ... وحدي أرتب شوارعكِ القديمة .. أنظف أكواب الشاي المتسخة على حواف أرصفتك ... أتجول بين أعمدة الأنارة المنحنية أمسح عنها الغبار ... أصنع ذاكرة تبتسم لكائنات منقرضة لا أحد يعرفها غيري ... أتردد بين العدامة و العمامرة و حي الدواسر و أحياء لا جدوى من ذكر اسمائها ... أواظب على تلقين الأطفال أغاني القدماء الجديرة بدمعة عابرة .. وبكل ما أحمله من شجاعة حمقاء أموت بالطريقة التي أشاء أينما أشاء في الوقت الذي أشاء .. الدمام أيتها القديسة التي تنام فوق 700 مليار برميل نفط لكنها تنام دون لحاف ... تعالي لندخن الحكمة ونضحك ونبكي ونتشارك الصلاة على الأرواح الهاربة من مقابرك الضيقة جداً ... هل تقبلين بي زوجا لكِ أيتها الفاتنة ...


.


.


رشدي الغدير 

في تمام ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) ..

 


 


هذه الليلة واسعة بلا معنى .. واسعة لدرجة أنني صليت 20 ركعة دفعة واحدة بأتجاه القبلة حتى أن الجدار مل من وجهي ... أيها الجدار الوغد لا تنظر إلي بخبث فأنا أعلم أنك تقول في نفسك : أي مسلم هذا الذي يعبد الجدران وربه في السماء ؟؟ لماذا لا توجه رأسك إلى الله بدل أن تثقب صدري بركعاتك العشرين ... حسناً أيها الجدار الخبيث توقف عن كونك جداراً غبياً ... و تعال هنا أجلس قبالتي وحاول أن تكتب ما يدور في رأسي .... صدقني أيها الجدار خلال ساعات سأحولك إلى شاعر ... وستحترمك كل الجدران في المدينة .... اللعنة ... أنتم لا تعرفون شعور رجلا يتحدث مع جدران غرفته في تمام  ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً )  ....


.


.


في طفولتي وفي تمام ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) .. انتظرت حتى خرج الجميع ، وتسللت إلى المطبخ كي أثقب إصبع قدمي الكبير بمثقاب الثلج الحاد .. كنت أريد أن أتأكد من وجود الدم في الجزء الأسفل من جسدي .. لطالما كنت أعتقد أن الدم لا يصل إلى قدمي وأنه محبوس في ذراعي فقط وفي رأسي ربما .. بالفعل .. تمكنت من رؤية الدم ... لكن الدم لم يتوقف ... بعدها عدت لسريري واثقا أن الدم في قدمي موجود بكثرة و أن الثقب سيلتئم من تلقاء نفسه لكن الثقب أستمر بالاتساع والدم أستمر بالخروج حتى كدت أفقد دمي كله في تمام  ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) .... يالي من طفل أحمق ...


.


.


اليوم على الغداء في تمام ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) شعرت بشفقة حادة تجاه نفسي لأنني في هذه اللحظة كنت أفعل شيئا يثبت إلى أي مدى أنا ضعيف وخائف وغير سعيد .. تذكرت اصدقائي الموتى في قبورهم .. تذكرتهم كلهم دفعة واحدة في تمام ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) أصدقائي الموتى فعلوا ذلك كثيرا من قبل .. كثيرا جدا .. لأنهم كانوا مثلي تماماً .. ضعفاء وخائفين وغير سعداء .. كانوا يعرفون أنهم ذاهبون إلى قبورهم لا محالة .. رغم كل مزاحهم الثقيل وضحكاتهم المتطايرة في مدينة الدمام .. نفس الشعور بالضبط كان يراودني في تماما ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) .. شعرت و كأنني لست أنا الذي يفعل ذلك .. وكذلك هم ليسوا من فعلوا ذلك .. هو شيء واحد بداخلنا كلنا يجبرنا أن نفعل هذا كي نشعر بأننا مثيرين للشفقة إلى هذه الدرجة .. شيء واحد يثبت أننا مجرد أشياء صغيرة لا يكترث بها الأخرون في تمام ( الساعة الواحدة والنصف ظهراً ) ...


.


.


رشدي الغدير


 

الله رب الخلق .. أمدنا بالرزق إذا دعاه الداعي .. يحقق المساعي

 


 


في الصف الثاني متوسط أردت بشدة ضرب وجه الأستاذ ناصر مدرس اللغة العربية بالكرسي الخشبي الذي أمامي حينما نزفت أسناني بسبب لكمته المفاجئة لما أخبرته بأنني نسيت دفتر الواجبات في البيت ... لكنني ذهبت إليه في نهاية الحصة و أعتذرت له ووعدته بأنني لن أنسى ثانية ... أتصل بي أحد زملاء الدراسة هذا الصباح ليخبرني أن الأستاذ ناصر توفي في المستشفى البارحة رحمه الله ... الغريب في الأمر أنني ما زلت أحمل رغبة ضربه بالكرسي الخشبي وتهشيم جمجمته حتى وهو ميت ... يجب أن ألقن نفسي فن التسامح وأمضي في سبيلي دون عداء موشك يقتات على روحي ... الأمر صعب خاصة عندما يتعلق الأمر بمراحل التكون المبكرة لشخصيتي المفرطة بالشك واليقين ...


.


.


أول بيت شعر حفظته في حياتي ولم أنساه حتى الآن هو : الله رب الخلق .. أمدنا بالرزق إذا دعاه الداعي .. يحقق المساعي ... اللعنة أتصدقون أنني كنت طفلاً .. قبل أن أتحول إلى سيد التخوم وفهرس السماوات وسادن الترانيم المقدسة وسليل الموت والحب والعصيان وترجمان الوحشة و مبعوث الفقد الابدي وسجين المحابس كلها ومحرر الرغبات وقامع التراجعات الأولى إمام القدماء والوسطاء المتأخرين ... المتقدم المتذبذب الرقاص المتبجل العاسف المتراخي ... تقدست اسمائي كلها ...


.


.


لقد توفي الأستاذ ناصر الذي كنت أكرهه لدرجة أنه رافقني في كل مراحل الدراسة كتميمة كراهية في نفسي والغريب أنني أبكي بسبب خبر موته ... لماذا لا تنظرون للأمر من زاوية أخرى كأن تعتبرونني واثقا بدرجة ما من نهاية أي شيء باعتبارها نتيجة ثابتة لا مفر منها بدل تهكمكم المستمر يا سفلة .. إن أكثر مايؤلمني في هذه الحياة البائسة هو حرماني من أشياء كثيرة جدا أحببتها رغما عني ولم أتمكن من إكمالها ... لقد كنت مجبرا طوال الوقت على الاندفاع للأمام ـ بهذه السرعة العنيفة التي لم أتمكن من استيعابها حتى الآن ـ حاولت أن أتعايش مع هذا النوع من الفقد المبهم ... بمرارة وقسوة .. حتى تحولت حياتي إلى سرادق عزاء فارغة من الناس ... أيها السفلة أتركوا لي القليل من الفرح ... أيها السفلة ...لقد مات أكثر شخص كنت أكرهه ...


.




.


رشدي الغدير