الشخص الذي يتحدث معكم الآن ...

الشخص الذي يتحدث معكم الآن بدأ يشعر بالاختناق الذي راح ينمو سريعا حتى تحول إلى مرارة وتشنجات حادة في جيوبه الأنفية .. نفس الحالة تكررت بعد ذلك بالضبط حينما كان يتصفح ذات مرة مدونته الإلكترونية .. مقبرة رشدي الغدير .. ووقعت عيناه على سطور لـنصه الأخير الذي نشره قبل اسبوع وبالطبع قرأ هذا النص قبل ذلك كثيرا جدا ورغم هذا شعر فجأة بنفس الاختناق الذي راح ينمو بنفس السرعة ويتحول إلى نفس المرارة والتشنجات الحادة وهو يقرأ : اقتلع جناح الملاك عن ظهري وأمشي بينكم أيها الناس بقميص ذو أكمام قصيرة .. دموعي تصلح لغسل ملابسي المتسخة لكنني لا أبكي كثيراً …أستخلص الضوء من كومة قيح أخفيها أسفل فخذي البعيد جداً عيوني مفتوحة رغم أنني أنام متقلبا ً مثل مزاج الفقراء ...
.
.
الشخص الذي يتحدث معكم الآن بدأ يتكلم مع نفسه مثل مجنون وهو يقول : دعني أخبرك بماذا يجب أن تهتم الآن يا رشدي عليك ألا تسجن نفسك داخل جحيم منعزل وتخلق بداخله حيوانات مفترسة لأنها لن تفترس أحدا غيرك .. يجب أن تؤمن فقط أن أمورا كهذه تحدث بطريقة عادية جدا .. الحياة تسمح بهذه الأشياء ولا تريد منا بالضرورة أن نتعامل معها على أنها كارثة أو أزمة .. الحياة تريدك أن تستمر مهما حدث يا رشدي ..
- لكن يا أنا ...
أخرس ودعني أكمل يا رشدي...
- حاضر يا أنا ...
.
.
الشخص الذي يتحدث معكم الآن بدأ يفكر بالموت ..صمت للحظات ثم قال أنه يشعر أحيانا بأن الموت لن يكون بهذه الدرجة من البشاعة : أنظر من مات قبلي : أمي .. والدي.. طلال مداح.. الملك فهد ...الشيخ جابر الصباح ... سعاد حسني .. خباز حارتنا ابو اسماعيل.. نزار قباني .. هتشكوك ... عامل النظافة نهاية الشارع ....هل تتصور أن يكون الموت مؤلما لهؤلاء رغم جمال أرواحهم .. ثم أقنع نفسه أن موت هؤلاء يجب أن يشعره ولو قليلا بالاطمئنان لأن العالم الذي ذهبوا إليه سيكون لائقا بهم بالتأكيد وبالتالي فهناك أمل أن يكون لائقا به خاصة أنه لم يقتل غير ثلاثة أشخاص في حياته..
.
.
الشخص الذي يتحدث معكم الآن بدأ يحب الموت ...
.
.
الشخص الذي يتحدث معكم الآن بدأ يموت
.
.
الشخص الذي يتحدث معكم الآن ..مات
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق