Translate

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

يدك الصغيره وهي تهش الذباب







كُنت أشاهدك في الخمس دقائق بين الحصص خائفا ومنطوي على نفسك في باحة المدرسة الثانوية التي جمعتنا في انصهار وجهك وذوبان شعرك تحت وهج الشمس في ارتباك سندويشة الجبنة تحت هشيم اسنانك وأنت ترمقني بنظرة سريعة كنت تضع العين في مؤخرة رأسي وكلما التفت اليك اشحت بوجهك مثل متهم وأنا أبتسم لفرط خجلك وخوفك من هذا الوحش الذي يدخن السجائر وحيدا خلف سور المدرسة لم أكن أعرف اسمك بعد لكن حفظت ملامح وجهك عن ظهر قلب بعد أن انتزعتك من يد عبود الذي كاد يحطم رأسك بعامود خشبي قصير وجده مرمي قرب الباب المفتوح الباب الذي يتمسح بثيابنا كلما دلفنا خارجين من المدرسة سمعت صراخك وشاهدت تحلق الطلاب حولك لم أتمالك نفسي والدم ينزف من أنفك وعبود الوغد يحشر وجهك بين ذراعة ويلكم ما تيسر منك دفعته بجسمي حتى وقع منكب على ظهره ومسكتك من ثوبك وتشبثت أنت بي هل كنت تعلم أنني طوق النجاة رماني الله اليك بعد أن وضعتك قرب الجدار عدت الى عبود ونظرت مباشرة في عيونه دون أن أتكلم فهم هو كل شيء وذهب مبتعدا ولم يقترب منك بعدها فيما عدت أنا الى تدخين سجائري التي أسرقها خلسة من جيب والدي لم يكن والدي يشعر بعدد السجائر التي تنقص من العلبة بالواقع هو لا يهتم لشيء ولا ينتبه لنقص الأشياء من حوله والدي رجل متسربل في عمله وفي هرولته اليومية وبتوبيخ أمي عن كل اخطاء الكون كان يلومها حتى على شرودها كلما صفعتها الحياة وعاد سكران يترنح يشتم الملك والوطن ويشتمها ويشتمني ويضربها وتهرب المسكينة الى دموعها تبكي بحرقة فيما أنا اراقب كل شيء وأفكر بقتل والدي أو كتم أنفاسه بالوسادة وهو نائم فيما بعد كان يضاجعها بحرارة ويقول لها حبيبتي تصور أمي نفسها كانت تقول له حبيبي أيضا لم أكن أفهم ما يحدث بعد عشرين سنه سأكتشف انه على حق وأنني سأمارس نفس الهواية في عدم الأكتراث لشيء وفي توبيخ زوجاتي العشر ومضاجعتهن اخر الليل وأستحلاب أثدائهن ... كانت السجائر البيضاء مفتاحي الى العزلة كنت أهرب اليها أضعها في فمي وأشعل القداحة واتنفسها فيما أنت كنت تختلس النظر من بعيد الى مراهق ضخم تقريبا هو أطول طالب في المدرسة واكثر الطلاب صمتا على الأطلاق وأكثرهم وحشية حتى أن المدرسين يتحاشون الاقتراب منه هو انا يا صديقي ... كنت أشعر برغبتك في الاقتراب مني كنت أعلم أنك تحلم في التحدث الي لم أتبين أن حواراَ كان يمكن أن يقوم بيني وبينك يدك الصغيره وهي تهش الذباب عن وجهك طرف ثوبك المتسخ لفرط جلوسك على الأرض التفاتتك السريعة الى عبود الشرير كلما مر بجوارك لهفتك لرؤيتي من بعيد وانا ادفن كتبي المدرسية في حقيبتي السوداء العجوز محافظتك على مسافة مستمرة وأنت تمشي خلفي مثل خروف صغير لم أكبد نفسي عناء فهم لغتك الصامتة يا صديقي كنت أتخيل صوتك لكني لم أسمعه ابداً هل كان جهلا مني هل كانت علاقة القطيعة والتوتر الذي ينفثه غموض شخصيتي وحده سامي بن يعقوب كان همزة الوصل بيننا أخبرني أنك كنت تحدثه عن خوفك من بطش صبيان ثالثة باء واخبرني ايضا عن سخريتهم منك ورميهم لكتبك من نافذة الفصل وعن بصقهم على طاولتك وعلى ثيابك سأقول لك سر يا صديقي ودون أن تعلم ذهبت اليهم في احدى الفسح وجمعتهم وطلبت منهم عدم مضايقتك قلت لهم أنك أحد اقارب والدتي وانك مهم جدا بالنسبة لي وسأقتل كل من يقترب منك وحذرتهم من أخبارك بهذا كنت اراقبهم في المدرسة واكشر لهم عن انيابي أعلم أنك لم تفسر سبب تركهم لك وسبب أحترامهم الغامض حتى لدخولك الحمام يا صديقي أقف الان بعد عشرين سنة على قبرك سمعت أنك توفيت قبل سنه في حادث قالوا لي أنك نطقت الشهادة قبل أن ينتزع ملك الموت روحك لم أتمكن من حضور العزاء لكن أخبروني أنك كنت تبحث عن عنواني هل كنت تنوي حقا زيارتي يا صديقي أنا ايضا كنت اتمنى زيارتك سمعت أنك تعمل كطبيب عظام في مستشفى الدمام المركزي ثم تم نقلك الى مستشفى اخر سمعت أيضا أنك تزوجت من الفتاة القصيرة التي كنا نضحك عليها عندما وقعت من باص المدرسة أعتقد أنها تعثرت بعباءتها الطويلة فيما كنت أنت الوحيد الذي لم يضحك عليها أذن تزوجتها أيها الجبان حسناً لم تكن تثير اهتمامي على كل حال قالوا لي أيضا انك أنجبت ثلاثة اطفال منها وأنك تحبها جداً أنت ميت الان لا أعرف كيف تتحمل صمت القبور من حولك وهسهسة الموت القابع في المكان صديقنا سامي بن يعقوب مات قبل سنه ابلغه تحياتي أن صادفته في البرزخ هل تعلم ان عبود الذي كان يضربك في المدرسة يعمل الان كمدير بنك اقليمي البنك السعودي الهولندي في الخبر ابن الغبار يركب سيارة اغلى من منزل في حي عبدالله فؤاد هل تذكر عندما كان يضرب الطلاب ويستولي على سندويشاتهم يلتهمها بحقارة الذليل ويتركهم للجوع ... حسناً يا صديقي الشمس اقتربت من المغيب يجب أن اتركك الان وداعا يا صديقي يجب أن اعود لممارسة الموت في مقبرتي الكبيرة أنا ايضا
.............
رشدي الغدير


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق