Translate
الخميس، 19 سبتمبر 2013
الأربعاء، 18 سبتمبر 2013
بعد موتي سيقولون لك أشياء سيئة عني .. لا تصدقهم
ولدي إبراهيم يشبهني أكثر مما ينبغي و يوما ما ستطول أنيابه و ستنبت في يده المخالب الجارحة وسيركض في هذه الحياة مثل نمر يتعقب طريدة ثم سيصاب بالهلع وسيطلب من الغابة أن تخفيه ..سيخاف من أن يضع يده في جيبه فتلسعه العقارب ..وسيفقد ثقته في ظله ... مثلي تماماً ...
.
.
و ها أنا اليوم أرشو الشوارع بخطواتي القليلة كي لا تقذف قدمي من الأرصفة ..أطلب الثأر من الكلاب في رأسي ثم استسلم قبل المعركة بدقائق ..أبتسم للأغلال في قدمي وأتمتم بلعنات لا تنتهي .. أحمل في صدري مستنقع من الندم وكل ليلة قبل النوم أغرق متعمدا فيه ... أهذي بأسماء فتيات أحببتهن في صغري مات بعضهن والأخريات زوجات سمينات في أقفاص من الضجر والأمراض و التعاسة ... أقنع نفسي أنني بخير وأن لا شيء تغير وأن الكهل القبيح الذي ينظر إلي في المرآة هو مجرد وغد تائه في المدينة يشبهني لا أكثر ...أدس الأزهار الميتة بين الأوراق لتطرد ذباب اليأس عن أفكاري المنحوتة في قصائدي ... أتبول واقفا كالشبح وسط البيوت المسكونة .. أستلذ برائحة تعفن الخبز تحت سريري .. أراقب حشرات صغيرة تتسلق يدي وتموت بين أصابعي مثل كل النساء في حياتي القديمة .. و حين يغمرني الضجر أضع ملامحي بجانبي وأبتسم مثل أحمق ...
.
.
ولدي إبراهيم أسمعني جيداً .. قد تقرأ هذه الرسالة بعد موتي ورحيلي من هذه الحياة القذرة ...أعلم أنك تجهل أشياء كثيرة عني وأنك تتساءل دائما عن سبب غيابي المستمر وعن سبب وجود كؤوس فارغة في فمي و وعن سبب نومي في المقابر ومراقبتي لمدافن القرية كل ثلاثة أيام ...الإجابات ليست مهنتي يا ولدي وحتى لو بدوت لك أقرب إلى الجنون فأعلم أن يدا شريرة تدفعني من الخلف طوال حياتي الدنيا مع أبناء البشر التعساء ... لقد أفنيت حياتي كلها في الهذيان رغم أن وعيي كان حاد مثل نصل مسنون ..كنت أخوض معارك ضد غرباء وكائنات هلامية في رأسي فقط ...دائما ما كنت أقوم بفعل أشياء لارغبة لي فيها ودائما ما كنت أجد نفسي في اماكن لم أسر إليها يوما ما .. وعندما أنام في غرفة أستيقظ في غرفة أخرى ليست غرفتي ...وكلما قطعت مسافة قصيرة بين أمنياتي تعثرت بأفكاري وسقطت منكبا على وجهي لينبت العشب على عيوني و شيئا فشيئا يتحول وجهي إلى حجر مرمي على حواف الطريق ...
.
.
ولدي إبراهيم ..بعد موتي سيقولون لك أشياء سيئة عني .. لا تصدقهم ...سيتغير العالم يوما ما
أعرف ذلك مثلما أعرفك ... فقط لا تصدقهم ...
.
.
رشدي الغدير
الاثنين، 16 سبتمبر 2013
نادم جداً
عرفت نفسي منذ الطفولة كنا أنا و أنا نربي الكلاب في جماجمنا ونقتلها فيما بعد ..هو يعرفني من رائحتي وأنا أعرفه من شكل أعقاب السجائر التي يرميها في الغرفة خاصة عندما يكون خائفا ومرتبك ويدخن سيجارة في مؤخرة سيجارة مثل قواد قلق على مومساته الضعيفات ..يحدث كثيراً أن نتعارك في الغرفة يحدث كثيراً أن يتهور ويصفعني على وجهي يحدث كثيراً أن يعتذر مني ويقبلني في عيوني وهو ممسك بالسكين ..يهمس في اذني ويقول : يا أنا لا تغضب أنت تعرف أنني أحبك واكرهك بصدق
.
.
- قبل سنوات كان محطماً وتائه مثل قنفذ عجوز في غابة ..كنت أراقبه من بعيد وهو يهم بالانتحار ..الأحمق قطب رسغ يده بالموس وراح يراقب تدفق الدم ..أقتربت منه ..أخذت الشفرة من يده ..وضممته إلى صدري فدخلنا في نوبة بكاء متواصلة ..أقنعته أن الحياة متسعة جداً رغم ضيق بنطالها وسخطها وكراهيتها على شخص ليس له ملامح محددة مثله ..نحن اصدقاء رغم كراهيتنا لبعضنا البعض.
.
.
- أحاول تنظيف صدري من الخوف وأن أجد من يلقي في جنازتي نكتة باردة ليبتسم القبر قبل أن أصفعه بعظامي.. يخيل إلي أنني أموت وسط زحام السوق وانا أمارس العادة السرية بقضيب من الريالات الورقية فئة المائة ريال تماماً ذلك لأني أفنيت عمري انا اؤدي جميع واجباتي مثل طاقم أسنان جديد في فم طفل
.
.
أنا مخلص جداً لفكرة الفناء وأتحدث عنها مثل نهر لايتوقف عن الجريان لهذا أستحق الشنق مثل بطل في نهاية الفيلم وحبيبته تبكي أمامه وتشق جيبها وتلطم مثل النائحات على مقتل الحسين
.
.
- هل أنت نادم على شيء
.
.
- لا لست نادما على شيء
.
.
رشدي الغدير
.........................
خارج اللعنة كان هناك حديث ممزوج بالندم في صدري حاولت اخفائه لكنه يباغتني مثل رصاصة في رأسي..ماذا سأقول لأطفالي .. هل أقول لهم أنني لم أفعل شيء في حياتي غير اشتهاء النساء والتقاط آثارهن على الأرصفة وفي محلات بيع الايسكريم والملابس الداخلية وجمع حرارتهن من سروج الخيل والمقاعد الأمامية في الباصات الذاهبة إلى مكة المكرمة هل أقول لهم أنني كتبت قصيدة ملساء وأنزلقت فوقها لأستقر في قاع الجب ليتركني يوسف والذئب والقميص الذي قد من دبر دون ماء .. لاشيء أتركه لكم غير الأسى يا أطفالي الصغار... لا شيء
.
.
أنا نادم جداً
رشدي الغدير
إن ما أكتبه لهو فن عظيم يعز على أمثالكم سبر غوره وبلوغ غياهبه
كنت على شفير الفقد أصلي لله صلاة الاستسقاء ركعت أكثر مما ينبغي وسجدت أكثر مما ينبغي وتوسلت وابتهلت وبكيت ودعيت وأطلت القنوت وأمتثلت وتماثلت واصطليت وتهجدت وتهدجت وضحيت واضمحليت وأقتربت وتقاربت ونال مني فأوفيت ووفيت وتوفيت وتماهيت ونال مني وسعرت وأستعرت وأستعريت وسهلت وأستهلت وأستهليت ونال مني ونال ونال ونال ....وأسلمت وأستسلمت وتسالمت وتسلمت ونال مني وعزوت وأوعزت وعزيت ونال مني
.
.
وتراءيت واسترءيت فرأيت ونال مني ومريت وماريت وتماريت فنال مني وضروت وروضت وأرضيت فرضيت ونال مني
.
.
فأوهمت ووهمت وتوهمت ونال مني
.
.
فسأمت فتساميت فساومت وسميت ونال مني
.
.
وقرأت ووقرت فاستقريت فقررت فنال مني
.
.
وعزمت وتعازمت وأعتزمت فنال مني
.
.
وشجوت وتشجأت وتجشمت فنال مني
.
.
فسبلت وأستبسلت فتلبست ولبست ...ونال مني
.
.
وأبتكرت وأرتكبت وأرتبكت ....فنال مني
.
.
ونال مني ...ونال مني ...ونال...ونال...ونال
.
.
حسناً ...يا أنتم لماذا لا تفهمون تمزقي هنا
وتضحكون دون سبب
هذا يؤلمني
وينال مني
.
.
أيها النبلاء .. لا تماروني على ما أرى ولا يجرمنكم شنئان قوم يجهلون كنه تجربتي وكتاباتي ويخلطون بين السجع و الطباق والجناس ويبحثون عن الجنس فيما أكتب إن ما أكتبه لهو فن عظيم يعز على أمثالكم سبر غوره وبلوغ غياهبه أنه فن صعب لا يعلمه إلا من أتى الله بقلب سليم ..فصهوا وتابعوا بارك الله في أمهاتكم ولا تقاطعوا ...قطع الله دابركم
.
.
رشدي الغدير
الخميس، 12 سبتمبر 2013
لقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت
في المستشفى طلبت من الممرضة القصيرة أن تسجل وصيتي على فخذها الأيمن ... لكنها رفضت رغم أن فخذها يصرخ بي : هات وصيتك يا غدير ... لقد كانت وصيتي سهلة وبسيطة وسريعة وغير مكلفة .. وهي أن يتم دفني في أي قبر متاح لكن بالشكل المقلوب أن يكون وجهي إلى الأرض وظهري إلى السماء ... وبعد إهالة التراب علي .. ينفض الجميع أيديهم ... ويعودون إلى حياتهم السافلة دون الحديث عني ....
.
.
أعطتني اخصائية التحليل علبة بيضاء لها غطاء شفاف قالت : لو سمحت ضع خرائك في العلبة ... حتماً إنها سخرية مفتعلة لا تفسير لها .. أن أصادف أجمل فتاة في المستشفى لتطلب مني خرائي ... لقد أصبح لخرائي قيمة .. لطالما كنت أتعامل مع خرائي المهم دون وعي ودون اكتراث ... وبفرح تغمره مشاعر الدهشة رحت أضع خرائي القليل في العلبة وأنا أعد المفردات السحرية في رأسي ...
سأقول لها :
أيتها الرشفة المنسية من كأس النارنج هاكِ خرائي الساخن الجديد ..
لا لا .... سأقول لها :
يا حفيدة الأهازيج النادرة يا فاتنة العيون العسلية تفضلي هذا خرائي المتواضع داخل العلبة ...
لا لا .... سأقول لها :
لقد عانيت جداً وأنا أعتصر امعائي من أجل إسعادك بخرائي المتماسك يا تميمة المسك الممسوك في غياهب الأحلام المزركشة ...
.سألت الموظف عن الفتاة التي أعطتني العلبة قال إنها غادرت قبل قليل .. أصابني الحزن وجلست على الكرسي بجانب خرائي تماماً ...
.
.
قبل خروجي من المستشفى طلبت من الطبيبة أن تدحش إصبعها في طيزي وتعد حتى الـ 45 ، أو دو، ري، مي، فا .صول... لتتأكد أنني غير مصاب بالبواسير .. لكن الطبيبة الفاتنة ضحكت و قالت لي : لماذا تقول أمراً بذيئاً كهذا؟ سمعت الممرضات يقولون أنك شاعر ... أخبرتها أن الممرضات أصابعهن غليضة ومؤلمة وأنني بتلقائية لا أعرف مصدرها أصرح عن الأشياء التي تختلج في نفسي خاصة عندما أكون سكراناً او مصابا بالحمى ... قالت الطبيبة : لا تقلق سأرسل لك من يمكنه فحص طيزك بشكل جيد ... قلت لها شكرا لكِ أيتها المقوسة من كل الزوايا ...وبعد عشر دقائق دخل الغرفة دكتور قبيح الخطوة رخيم الظل رائحة الحقن تفوح من فمه قال لي : هل تشعر بالم في طيزك .. قلت له : أنا بخير وطيزي على ما يرام ...فقط أغرب عن وجهي ثكلتك أمك أيها الطبيب ....
.
.
تماماً كما كنت أظن كل شيء رتيب ونمطي وعادي جداً في هذا اليوم كل شيء حدث كما خططت له تماماً ... وجهي تجمد على ابتسامة ساذجة وكل امنياتي لم تتحقق بعد ولا اعتقد ان ثمة وقت لتحقيقها رجل مثلي يثقل الخطوة نحو الخمسين بأحلام قليلة وطموح متلاشي كما انه يعاني من النقرس ويضع في جيبه درزينة حبوب وادوية لا يعرف اسمائها ولا يهتم بتاريخ صلاحيتها ... يعيش يومه كيفما اتفق ...
.
.
للأسف أيها النبلاء .. أنا بخير .. ما زلت أتنفس كما تتنفسون يا أبناء البشر الضعفاء ...لم يتوفاني الله كما كنت أظن .. لقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت ...
.
.
رشدي الغدير
أنا غير قابل للتحليل ولا الفهم
أنا دائما على وضوء ولا أحتاج سبغ رأسي بالماء وتفسير رغباتي لكم ..فقط ضعوا نصائحكم بشكل واضح ورتيب و إعتيادي ولتكن نصائحكم ساذجة حتى أشعر أنها نصائح حقيقية وتستحق المحاولة ... في النهاية سأجمع نصائحكم وأدسها في مؤخراتكم مع كمية من البصاق الطازج من فمي مباشرة .... وتذكروا أنا لست موظفا عند أحد ولست طاهراً ولا أزعم الطهر كما أنني لست نجسا جداً رغم أن بعض كتاباتي تفوح منها النجاسة والدنس والموت في النهاية أنا نصف بشر ونصف قديس وثلاثة أرباعي فراغ ينتظر الأحتمالات التي سأركلها حال عثوري عليها ...
.
.
ضقت ذرعا بالنساء الحمقاوات اللواتي يحاولن تحليل شخصيتي بغباء وسذاجة وسطحية لا يمكن تحملها ... أيتها النسوة توقفن عن رفع التقارير الغبية حول شخصيتي و عن حقيقة أنني رجل حنون يحمل قلب طفل لكنه يضع قناع القسوة وما إلى ذلك من هذا الكلام الفارغ الذي يضحكني جداً لفرط غبائه .. في الحقيقة أنا غير قابل للتحليل ولا الفهم خاصة في عقول الثديات البائسات اللواتي يحضن كل بداية شهر قمري وتصيبهن النجاسة ولا يقبل الله منهن لا صرفا ولا عبادة قليلات الذكاء كثيرات الضراط ... لا أريد أي رسالة مجهرية من أي امرأة تتذاكى على حين غفلة .. أقسم أنني سأضربها بحزام البنطلون و أركلها في بطنها و أوجه لها اللكمات مباشرة على أنفها و أسحبها من شعرها حتى أنتزع جلد رأسها مع بيصلات الشعر الصغيرة و أمشي على بطنها بوزني كله حتى تخرج أمعائها من فتحة شرجها المدورة جداً و سأشج أذنها بأزميل نحاسي و أرتق رقبتها بدباسة الورق .. هل هذا مفهوم ...
.
.
لعل أحد الحمقى سيقول لكم : لماذا تشغلون أنفسكم بهذا الشخص الفاشل ... حسناً يؤسفني ابلاغكم أنني فشلت في كل شيء ... لقد فشلت في الحب وفي الكراهية وفي العطش والجوع والهروب والبقاء ... أنا أعظم فاشل قد تلتقون به في حياتكم المؤقتة يا أبناء البشر الضعفاء ... بل أنا الفشل بعينه ... بل أنا منبع الفشل في هذا الوجود ... لا فاشل يمكنه منافستي في الفشل ... سأنام مثل أي فاشل يصل متأخراً و بفشله المؤجج ... وكأنني الفشل كله ... فقط أغربوا عن وجهي ... فوراً ... ...
.
.
رشدي الغدير
المفتاح و الغيمة و سوء الفهم
صدقوني ... أنا الآن أقف عارياً تماماً في نافذة بيتي .. ومقتنعاً جداً أنني غيمة ... ولا أكترث لنظرات الجيران ولا تهامسهم حول قضيبي النائم ...هذا لا يزعجني ... اطلاقا .. تتحدثون عن سوء الفهم ؟! .. حسنا .. ثمة مفتاح في سلسلة مفاتيحي الهائلة لا أعرف ماذا يفتح ولا أتذكر متى وضعته في السلسلة ... لكنه ببساطة موجود ... لم ينجح هو الآخر في إقناعي بأن أتركه يرحل وكلما وقفت أمام باب جديد أخرجت المفتاح بفرح طفل يكتشف مخبوءات العالم لكنه دائماً لا يفتح الأبواب .. دائماً يفشل لكنه موجود ... هذا المفتاح يخصني .. أنتم تعرفون هذا جيدا .. لذا هو ليس مجرد مفتاح فحسب ... بل هو شيئا يرافقني ولن أتنازل عنه ...
.
.
تتحدثون عن سوء الفهم ؟.. حسناً أنتم بلهاء تحتاجون الحب المؤقت أما أنا فلست في حاجة لحبيبة تجلس بجواري ... تلتصق بي وتحتوي يدي الضخمة جداً .. تغيب عيوني في عيونها طويلا بينما تبتسم في هدوء وصمت .. أحتضنها بقوة .. أقبلها قبلات قصيرة متلاحقة ثم أعجن شفاهي بشفاهها ولساني بلسانها ... تعريني وأعريها .. تذوب في داخلي وأذوب في داخلها .. ترتعش في فمي وأرتعش في فمها .. لا .. لا ... لست بحاجة لحبيبة لأنني أعلم يقينا أن كل النساء مجرد وهم فارغ ... أنا بخير وكل شيء على ما يرام ..لقد صقلتني الحياة جيداً ولم أعد أحتاج أحداً يمنحني الحب .... شكراً لكم يمكنني تدبر أمري بسهولة وأنا اقف عاريا من هذه النافذة وسلسلة المفاتيح بجانبي ...
.
.
لحظة أعتقد أنني وقعت في سوء الفهم وما زلت أقف عارياً تماماً في نافذة بيتي .. ومقتنعاً جداً أنني غيمة ... غيمة
.
.
رشدي الغدير
الأربعاء، 11 سبتمبر 2013
أمي .. أنهم يحتفلون بعيد الأم ... يالهم من حمقى ...
لماذا لم تأخذي رأيي قبل أن تجلبيني إلى هذا العالم القذر.. كل يوم علي أن أبتلع كل تلك الجثث المهشمة والمقطوعة الرأس والمفقوعة العيون من على الشاشة .. أُجلد مراراً بوجوه أطفال ذات ملامح واضحة تشبهني تم قتلهم على أيدي السفلة في القرية ... بعد ذلك أحاول كأي إنسان طبيعي أن أعيش يومي بغباء وسعادة ... أنزل بكل وقاحة إلى الشارع ... أحب و اكره و أكذب و أتعارك و أبتسم مرغماً على نكات الموظفين ... وفي الليل أبكي ... وحيداً و خائفاً يا أمي ... هل عرفتي الآن حجم بلاهة أصدقائي وتعاستهم يا أمي .. أنهم يحتفلون بعيد الأم ... يالهم من حمقى ...
.
.
أمي .. لقد كنت في رحلة صيد داخل صحراء الربع الخالي مع الأوغاد وقطاع الطرق وبائعي الوهم من الشعراء يا أمي ... كانو يضحكون بحب كلما قتلوا فريسة وسكبوا دمائها على الرمل يا أمي ..هم مساكين وخبثاء و فقراء ومتشردين بعضهم يموت بالجلطة في سن الثلاثين أيضاً يا أمي .. رغم كل الدماء من حولي كنت مهزوماً ومقهوراً و أنانياً ..لأن المكان لا يغير شيء يا أمي ولأني بعدما عدت أحسست انني أشبه أبي ... أشبهه لدرجة التطابق يا أمي ... كم هو مؤلم عندما يُقال لي أنت تشبه أباك.. أجن، أشتم، أصرخ لا أريد أن أشبه وجهه المكدود بالهموم والمدموغ بالقهر لا أريد أن أشبه ألمه، أرقه، غيظه المكظوم لا أريد أن أشبه والدي يا أمي ... لقد كان والدي يكره الدماء المسكوبة على الرمل يا أمي
.
.
أمي .. أنا بخير و ما زلت قادراً على تبديد 20 ألف ريال في أسبوع واحد وتمضية ثلاثة أشهر أبحث في جيوبي الأنفية عن خمسة ريالات حقيرة أشتري فيها ضحكة عابرة ورخيصة ... العالم يدفعني إلى الموت يا أمي ... ما زالت الأحجار في فمي وما زلت أشبه والدي ... وما زال أصدقائي البلهاء يحتفلون في عيد الأم ... يالهم من حمقى ...
.
.
وداعاً يا أمي ...سأزور قبركِ غدا..لا تقلقي
.
.
رشدي الغدير
حين صرخت لم يسمعني أحد
وأنا راجع إلى غرفتي.. مررت من أمام باب غرفة الجلوس.. فسمعت أمي تبكي وهي تقول لوالدي :
ـــ البارحة أبنك كان يتحدث مع أحمد واليوم يتحدث مع منصور..
ـــ وأين المشكلة ؟..
سألها والدي فأجابته أمي:
ـــ المشكلة أنه لا يوجد أحد في غرفته.. لا البارحة ولا اليوم.. إنه يتحدث مع أصدقائه الموتى..
.
.
.
ذهبت مسرعا إلى غرفتي لأجد أحمد ومنصور يلعقان القهوة من على البلاط و يضحكان ...
قلت لهما : أرجوكما لا تغضبا من أمي ... هي كعادتها .. لا تصدقني ..
.
.
والآن بعد موت أمي و أبي وتلاشي أصواتهم في كل زوايا البيت صرت أقضي يومي واقفا في الشارع و كلما اقترب مني صبي امسكه من ثيابه واسأله بشكل مباغت:ما لون الحزن ؟
.
.
.
اللعنة ... أيها الأوغاد حين صرخت لم يسمعني أحد كنتم مشغولين بلعق فروج نسائكم النتنة وأعضائكم المتعفنة متدلية بين أفخاذكم مثل أرجل ضفادع ميتة ..أقول حقاً وحقاً أقول أنتم حفنة بلاهة يجب شنقكم في باحة المسجد النبوي لتكونوا عبرة لكل من يتجاهل صوتي المخبوز من حنطة الريح …قلت لكم لاتتركوني وحيداً في هذه الشقة الضيقة الحقيرة كذئب منسي يقضم أطراف قصعته ويدس رأسه تحت اللحاف يتحدث مع الموتى و تنهشه الغيبات كلها ..كلها دفعة واحدة …
رشدي الغدير
أتفوووو عليك يا ملحد -
- الو
.. الو ...-
مساء الخيرمن فضلك عبدالله موجود؟-
لا والله يا أخي مش موجود ..مين حضرتك؟-
رشدي الغدير -
مين ؟-
رشدي الغدير -
أتفوووو عليك يا ملحد -
شكرا...
هذا مايحدث عادة عندما يرد علىّ أحد يسمع اسمى مني مباشرة .. ودائما ما أضطر لتقبل هذه الأتفووو.. والصاقها على اذني بصدر رحب .. لقد اعتدت على الأمر ... فأنا أعيش في السعودية ...
.
ثمة إعصارا من الكلام في صدري أوقن أنني إن لم أتكلم فوراً سيموت الكلام في صدري ويتعفن ..هكذا في بساطة قصوى ...لا فائدة من اخباركم بأي شيء ..أنتم مجرد أوغاد تحبسون حماقاتكم خلف وجوه مزيفة ... لا تهتموا ... سأجمع كل الكلام و سأزج به في جوفي .. وسأزم شفتي إلى الأبد كي لا يقفز الكلام من بين اسنانى... سحقاً لكم
.
في فمي أفكار لزجة بمذاق سيّئ جدا .. سأبصقها في وجه المرأة الصامتة الحكيمة التي ستوافق على الزواج مني نهاية هذا الشهر ... اما أن تكون حمقاء جداً او ذكية جداً لتوافق على الزواج مني ..عسى الله أن يمن عليها بالشفاء العاجل ...
.
.
رشدي الغدير
في طفولتي كنت أظن أن السيارات بشراً مسخهم الله لانهم بكذبون كثيراً
كنت أجلس وحيدا في قسم الأرشيف داخل الشركة .. جاءني فجأة شاب قصير يلبس نظارة طبية ويمسك بملف فيه سيرته الشخصية قال لي أنه يبحث عن وظيفة .. كنت كاذبا حينما أدعيت للشاب أن هناك وظيفة تناسبه ... أردت فقط أن يجلس الشاب بجواري ويتكلم معي .. لقد كان شعور الوحدة يقتلني .. كنت بحاجة لخلق حديث عابر مع أي شخص يفتح الباب .. بعد ساعة ونصف خرج الشاب غاضبا وهو يبكي ... لم يكن يتحدث معي بل كان يتحدث مع الوغد الذي يسكنني ... اللعنة ما كان علي أن أكذب على هذا الشاب المسكين ...
.
في طفولتي كنت أظن أن السيارات بشراً مسخهم الله لانهم بكذبون كثيراً .. كانت اللاندكروزر تأخذ دائما شخصية العجوز الحنونة .. لطالما شعرت بالأسى من أجلها ... كانت اليوكن هي الأم الصبورة المتفانية في مثابرة لا تنتهي وكنت أشعر أنها أم مظلومة .. كانت المرسيدس هي الفتاة الأنيقة المهذبة الخجولة على عكس الهوندا الفتاة اللعوب الخائنة المتبرجة المختالة المزهوة المشاكسة .. بالنسبة لي أحببت الموستنج كنت أشعر بأن لدينا أمنية مشتركة في أن أحتضنها أو أربت عليها كي تطمئن .. لكنني لم أتمكن أبدا من تحقيق هذه الأمنية لنفسي أو للـ ( موستنج ) أو لأي كائن يشبهها ... أعتذر لك أيتها الموستنج على كل الوعود التي قطعتها سراً لكِ ولم أنفذها ... أرجوك ... سامحيني
.
في طفولتي ( حسناً بعضكم يشك أنني كنت طفلاً في السابق وهذا من سوء الظن قبحتكم السماء ) أقول في طفولتي أعتدت شراء الحلوى من دكان العم سامح .. ما يهمني هنا هو أن العم سامح بلغ التسعين سنة من عمره ..لقد زرته اليوم في بيت ولده عبدالله (وهو وغد كان يسرق مصروف التلاميذ الصغار في الصفوف الدنيا ..وكنت أشاركه الغنائم بفرح ) ..أذهلني العم سامح لأنه ( وهذا ما أذهلني ) لازالت لديه الصحة التي تؤهل ذاكرته للتعرف
علي شخصيا .. ما يعنيني هو كيف يمكن للعم سامح أن يصل إلى هذا السن دون أن يظل طوال الوقت ـ يرتعش بخوف كبير وفزع هائل بينما يفكر في الموت الذي هو بالتأكيد وبالتأكيد جدا قريبا للغاية في هذا العمر ؟!! .. لقد نظرت بقوة في عيون ( العم سامح ) .. كنت مجبرا على كتمان ما أعرفه عنه ... ربما لأنه ليس لدي ما يمكن فعله تجاه هذا الأمر وربما لأنني مهما فعلت فلن أغير من الأمر شيئا ...لقد شاهدت الموت يبتسم في عيون العم سامح ..وأكتشفت أن عيناي في الحقيقة هما عيون العم سامح ....
.
ملاحظة ..هناك رابط غريب بين الشاب الذي كان يبحث عن وظيفة وبين العم سامح الموشك على الموت وبين علاقتي المضطربة بالسيارات والناس ..وكذبهم على الله
.
.
رشدي الغدير
كل المؤمنين التعساء والفقراء والمحتاجين في العالم
أبنتي روزان .. هناك شيء مبهم في نظرات عينيها وملامح وجهها يجعلك تستريح وتطمئن إليها .. شيء أشبه بحنان باطني يمزج بين الأنوثة والأمومة ببراءة ومرح غريبين وبرقة تجعلك توقن ببديهية أنه جزء أصيل من تكوينها .. يالها من فتاة جميلة ..
.
اليوم سألتني أبنتي روزان عن الجرح في كتفي .. لم يك مجرد جرح عادي حفره بغدر طائش الطرف المدبب لحقيبة الصبي المدرسية التي كان يحملها معلقة على ظهره كل صباح منذ أربعين سنة تائهة .. أقنعت أبنتي ان الجرح في كتفي هو ختم النبوءة وأنني نبي مؤجل ما زال ينتظر رسالته من السماء .. الرسالة التي لم تعد صالحة لهذا الزمن .. الجيد في الأمر أن أبنتي تصدق كل تفاهاتي وتأخذها على محمل الجد ... لفرط الثقة ربما ... لعلها تهزء بي في داخلها ... لا أعلم ...
.
أبنتي روزان تعلم جيداً أنني لا أحتاج إلى معجزة من الله لأكون متواجدا دائما في حياتها الدنيا و حتى لا يبدأ وجهي في التلاشي فجأة من ذاكرتها .. قد لا أكون جديرا بمعجزة من الله لتبقيني على نفس الشكل خاصة في وجود كل المؤمنين التعساء والفقراء والمحتاجين في العالم ... سأموت يوما ما وستصبح أبنتي يتيمة .. ليس عليها أن تحزن أو تتعايش مع موتي هي فقط تحتاج أن تشاهد التلفزيون كثيراً .. وستنساني بسهولة ..
.
أنتم لا تعرفون شعور الأب الذي تعتقد أبنته أنه يمتلك تفسيرا لكل شيء ... فيما هو يجهل نفسه ويحتقر ذاته ويبكي قبل النوم ..كل ليلة ..... يقول لنفسه : أيها الوغد عليك ألا تتورط مطلقا بالفخ الذي يكشف عن طبيعة مرضك النفسي أمام أبنتك ... لا تتحدث كثيرا وأحذف أجزاء من شخصيتك أمامها ..و ابتسم مثل كل الأباء البلهاء في العالم ... اللعنة ...هذا فيه مضيعة للوقت ...
.
.
رشدي الغدير
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)