في طفولتي كنت أظن أن السيارات بشراً مسخهم الله لانهم بكذبون كثيراً
كنت أجلس وحيدا في قسم الأرشيف داخل الشركة .. جاءني فجأة شاب قصير يلبس نظارة طبية ويمسك بملف فيه سيرته الشخصية قال لي أنه يبحث عن وظيفة .. كنت كاذبا حينما أدعيت للشاب أن هناك وظيفة تناسبه ... أردت فقط أن يجلس الشاب بجواري ويتكلم معي .. لقد كان شعور الوحدة يقتلني .. كنت بحاجة لخلق حديث عابر مع أي شخص يفتح الباب .. بعد ساعة ونصف خرج الشاب غاضبا وهو يبكي ... لم يكن يتحدث معي بل كان يتحدث مع الوغد الذي يسكنني ... اللعنة ما كان علي أن أكذب على هذا الشاب المسكين ...
.
في طفولتي كنت أظن أن السيارات بشراً مسخهم الله لانهم بكذبون كثيراً .. كانت اللاندكروزر تأخذ دائما شخصية العجوز الحنونة .. لطالما شعرت بالأسى من أجلها ... كانت اليوكن هي الأم الصبورة المتفانية في مثابرة لا تنتهي وكنت أشعر أنها أم مظلومة .. كانت المرسيدس هي الفتاة الأنيقة المهذبة الخجولة على عكس الهوندا الفتاة اللعوب الخائنة المتبرجة المختالة المزهوة المشاكسة .. بالنسبة لي أحببت الموستنج كنت أشعر بأن لدينا أمنية مشتركة في أن أحتضنها أو أربت عليها كي تطمئن .. لكنني لم أتمكن أبدا من تحقيق هذه الأمنية لنفسي أو للـ ( موستنج ) أو لأي كائن يشبهها ... أعتذر لك أيتها الموستنج على كل الوعود التي قطعتها سراً لكِ ولم أنفذها ... أرجوك ... سامحيني
.
في طفولتي ( حسناً بعضكم يشك أنني كنت طفلاً في السابق وهذا من سوء الظن قبحتكم السماء ) أقول في طفولتي أعتدت شراء الحلوى من دكان العم سامح .. ما يهمني هنا هو أن العم سامح بلغ التسعين سنة من عمره ..لقد زرته اليوم في بيت ولده عبدالله (وهو وغد كان يسرق مصروف التلاميذ الصغار في الصفوف الدنيا ..وكنت أشاركه الغنائم بفرح ) ..أذهلني العم سامح لأنه ( وهذا ما أذهلني ) لازالت لديه الصحة التي تؤهل ذاكرته للتعرف
علي شخصيا .. ما يعنيني هو كيف يمكن للعم سامح أن يصل إلى هذا السن دون أن يظل طوال الوقت ـ يرتعش بخوف كبير وفزع هائل بينما يفكر في الموت الذي هو بالتأكيد وبالتأكيد جدا قريبا للغاية في هذا العمر ؟!! .. لقد نظرت بقوة في عيون ( العم سامح ) .. كنت مجبرا على كتمان ما أعرفه عنه ... ربما لأنه ليس لدي ما يمكن فعله تجاه هذا الأمر وربما لأنني مهما فعلت فلن أغير من الأمر شيئا ...لقد شاهدت الموت يبتسم في عيون العم سامح ..وأكتشفت أن عيناي في الحقيقة هما عيون العم سامح ....
.
ملاحظة ..هناك رابط غريب بين الشاب الذي كان يبحث عن وظيفة وبين العم سامح الموشك على الموت وبين علاقتي المضطربة بالسيارات والناس ..وكذبهم على الله
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق