لم يعد لي شيء هناك...أخذت أتوسل لهم أن يتركوا لي شيئاً من الأشياء التي لم تعد هناك ..وحينما رفضوا رحت أشكل جسدي على هيئة طائرة ورقية وألقيت بنفسي من النافذة .. طار جسدي الى أن وصل السماء إلى المكان الذي يسترق الملائكة فيه النظر الى الناس وهناك نصبوا لي فخاً ... لقد أمسكوا بي وضربوني بأجنحتهم حتى فقدت الوعي ثم أعادوني إلى نفس المكان ..ذلك لأنني لم يعد لي شيء هناك...
.
.
لم يعد لي شيء هناك... كلما أردته هو أن أستعيد ضحكتي وآثار بقع القهوة على بنطالي وأزرار قميصي المدورة الصغيرة التي تشبه عيوني ..منذ سنين وأنا أعيش بنصف ذاكرة ونصف سعادة وبنصف حساب بنكي وبنصف سيارة ونصف أصدقاء وبنصف شقة ونصف سرير ..وبكامل أقدامي فقط ..كل الغرباء الذين مروا على أنفاسي أخذوا معهم رائحة جسدي وظلي القديم الذي يركض في الأزقة بين الجدران ..لم يعد لي شيء هناك...
.
.
على مهلكم أيها الغرباء قلبي المثقوب لين وهش كعظام طفل أنجز للتو فروضه المدرسية دون توبيخ ..أتركوا لي صوراً لأناس مبتسمين أعرفهم .. أتركوا لي الأدعية المستجابة وركعات الصلاة التي لم أركعها بعد ..أتركوا لي المرأة المنهكة لفرط حزنها ..المرأة التي قررت أخيرا أن تغلق الباب في وجه الرجل الذي اعتاد أن يأتي متأخرا يتأبط شره ورغيف خبزه وصمته الأبدي ورخاوة انتصاب قضيبه ...فأنا لم يعد لي شيء هناك...
.
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق