بهدوء أبٍ محب خائف على ولده قلت له أني أخشى عليه من التسمم والجنون وطلبت منه عدم أكل الورق من دفاتره ..لكنه راح يحدق بي كبومة غبية دون أن يتكلم ..هددته بأني سأعلقه من قدميه ليتدلى من السقف مثل خفاش نائم لكنه ما زال يحدق بي كبومة غبية ..قررت أن أكمم فمه وأعصب عينيه وأحبسه في غرفة السطح حتى تسلقه الحرارة ويتوب ..لكنه ما زال يحدق بي كبومة غبية ..
جلخت ظهره بثلاثة عصي وحطمت الكرسي على رأسه وصفعته في كل مكان في جسده ..لكنه لم يتكلم وراح يحدق بي كبومة غبية ..وما زال يحدق بي كبومة غبية ... شتمتكِ وشتمت جده وشتمت نفسي وشتمت الجيران على بلاهة هذا الولد العنيد ولكن .. ما زال يحدق بي كبومة غبية .. ماذا أفعل يا حصه ..أبنكِ يأكل الورق وينام طوال الوقت تحت السرير مثل فأر ...هل أقتله
.
.
كنت أسمع حديث أبي مع أمي عني ..دون أن أبكي ..في الواقع كنت أستمتع بهذا النوع من العناء وكتحقيق لعدالة ما كنت أصر على ألتهام الورق تحت السرير ..كنت ولداً لا يصلح لشيء ..ودون خوف ودون خنوع ..وفي اللحظة التي يغفل والدي عني كنت أستعمل أطرافي السليمة في الكتابة ..مكرراً أن عليه أن يذهب إلى الجحيم في كل سطر ..وبعد انتهائي من الكتابة أضع الورقة في فمي وأمضغها بلذة لا يمكن وصفها ... بعد أربعين سنه ها أنا أراه يغيب في ذلك الباب .. أنطلق خلفه مثل رمح ..ولا أجده ..رحمك الله يا والدي لقد أصابتك الخيبة مني ...لا تسامحني أرجوك ...
.
.
أصنع شفاعتي من الكتابة ..أعتقد أنني أصنع موتي وحياتي وأشكل معالم قدري ونهاياتي أثق أن الكتابة ستنتشلني من حضن الندم العالق في فمي ... المهم لا تتركوني وحيداً مثل أغاني الغجر القديمة التي لا يعرفها أحد فأنا محشو بالخوف مثل وسادتي مبتور من رحم الأشياء مثل حبل سري ومفخخ بالهزيمة مثل معارك الحلفاء ...أيها الأصدقاء أذهبوا إلى الجحيم فأنتم أوغاد لا تستحقون العناء ...سأهب لأحدق في وجه أبي مثل بومة غبية ..
.
.
مرت أربعين سنه وما زلت التهم الورق وكعادتي كل يوم ..اطلب قهوتي السوداء بعد ان اتأكد ان رأسي في مكانه الصحيح
احكه بنفس الملعقة التي اقلب فيها الكوب يحدث كثيرا أن أضع الملعقة في جيبي
كلما خرجت من المقهى وتركت كوبي بارد
كعادتي كل يوم
.
.
.
لماذ أشعر بالوحدة والحزن
رغم أن الكوب يبتسم
كعادته
كل يوم...اللعنة سأهب لأحدق في وجه أبي مثل بومة غبية ..
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق