Translate

الأربعاء، 1 فبراير 2012

أنا رشدي الغدير ... فقط

 فضلت أن اظل معتكفا في شقتي أطالع بشغف قصائد لمشيل ديغي الذي أعتبره الوريث الشرعي لرينيه شار الذي أحب قصائده مثلما أحب قصائد مظفر النواب تماما... وفي فترات استراحة متباينة أدعو صديقي الوغد الذي يشبهني فلا يحضر أبدا ثم أعود بعد ان أترك اغاني فيروز تدور على الاسطوانة في الوقت الذي أكون فيه أنا نائما مع ثمالتي...


انا في الدمام منذ اعوام طويلة... اتيت صدفة من اقصى جزيرة دارين تحديدا ظننت أن المكان لا يمثل أي فارق بنسبة لرجل اعتاد أن يكون وحيدا دائما ولا أعلم كيف أنفيت نفسي بنفسي، ولهذا تكيفت مع المنفى دون الحاجة لارتمي بواجهة اجتماعية تدعوني في الايام الباردة لارفع لافتة واطالب بحصة من الرفقة اسوة بالحصة التي ينالها جاري الزهراني كتعويض عن ايام رحيله من الجنوب

.

.

الدمام من المدن التي تحتفي بالجمال على طريقة الصمت المفضوح، أي أنها لا تملك شيئا تظهره للناس ، ولذلك صارت الحياة فيها ادراكا لرغبة المنفى، أقصد أنها تحاول جاهدة أن تنسي المنفي منفاه من خلال تنوع الاشتغال... فليلها مقسم بطريقة غريبة... كل خمس دقائق حدث ما فمن مطبات وحفر شوارعها الى العنصرية المقيتة في ارواح سكانها وتحري جذور اصدقاء تظنهم شيعة مؤجلين او سنه متشددين إلى مطاعمها الاعتيادية ونمطية التجول في ازقتها الرتيبة وبحرها الكسول من أول موجة إلى أول خيوط الفجر إلى أن أشعر بالنوم

.

.

يحدث كثيرا أن أنام في سيارتي أمام البحر

مثل نورس مكبل وتسكنه أحجار

.

.

هو عالم من غرائبية الأحداث تهت به شهورا وكأن غياب الوعي بما ملكت من طفولة وصبا قد تملكني.. أما شبابي فهو لم يغادرني لأنه كان ببساطة شبابا الهروب من الموت وكيف ينسى مراهق من دارين يتكلم بلهجة مضحكة عند أبناء عمه من البدو السذج وهي خليط غير منسجم من اللهجة الدوسرية وقليل من هسيس الفصحى ومفردات لا تفسير لها ..يضحك أبناء القبيلة الأوغاد كلما وصف لهم غربته وألمه وتمزقه الخفي

.

.

أعرف أن صمتي هو الذي وصل بي إلى كشف كينونتي المنفية الكينونة التي يخشى الوصول اليها حتى فلاسفة الاغريق لهذا فإن الوصول إلى تذكر ما كنا عليه في مدينة مثل الدمام أمر صعب جدا...كانت الحياة في مثل هذه المدينة تمثل نمطا مخيفا من التكيف مع الأشياء الصغيرة المرهقة الخفية ... فالثقافات مثل تلك السجادة المطرزة بحكايات الميثولوجيا الطيبة والتي كانت أمي [مسحت اسم أمي حتى لا يغضب والدي ] تفرشها لعجائز دارين يوم تقيم قداس والدي الكادح بين شارع ابو حدرية وشركة ارامكو وكنت أنا وقتها أغادر رغبتي الليلة بأكمال دراستي المبكرة لأتحول إلى شاعر صعب التناول لكنني منذ أن بدأت المتوسطة حتى قررت أن أدخل في جب الدهشه الجمالية للصور الشعرية عند شاعر ظننته يشبهني وهو سان جون بيرس..بعد أربعين سنه سأكتشف أنه لا يشبهني ولا ينبغي له أن يكون

.

.

كنتُ مراهقا غبي يهتم بأشياء لا يهتم بها غير المجانين

وكان أستاذ الفقه الفلسطيني يوبخني كلما وجد في حقيبتي كتابا لشاعر لا يعرفه

يهمس في أذني :

رشدي أنت ولد طيب فلماذا تضع كتب الملحدين والكفرة بجانب كتاب الفقه والتوحيد في حقيبتك المدرسية

سأخبر والدك ومدير المدرسة إن فعلت هذا من جديد..

وأنا أهز رأسي مثل أحمق

يخفي كراهيته لمدرس اعمى

 

سأكتشف بعد أربعين سنه انه على حق وأنه ينتمي لمنظمة حماس ويكره فتح ويكره ماركس ويكرهني

.

.

 

رشدي الغدير

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق