ذلك الأب الذي بوغت متلبساً في مكتبة المتنبي الواقعة في حي العدامة بالدمام وهو يشتري لولده المراهق كتاب (الحواس ) لبول بيكرد ..وقف مستسلماً لتقريع حاد ولرائحة عطر كارثية مستحماً برذاذ اللعاب مع كل حرف يخرج من فم الشيخ قال له : أيها الأب الضال كيف تسمح لنفسك أن تشتري كتابا كفريا لأبنك الصغير أشتري له كتاب في العقائد او كتاب يكشف بدع الرافضة وكفرياتهم ..أضعف الإيمان كتاب عذاب القبر علّه يزهد بدنياه فيغادر جهله باكراً ..قال أبي للشيخ : أنقلع الله يلعن ذا الوجه ...شكراً يا أبي كم أنت رائع ...
.
.
في بداية طريق الكتابة ذهبت إلى مطعم برفقة أكبر أخوة أبي كان عمي المفضل وقد عرف بصخبه وإفراطه بالضحك وطبعه الحاد اعترفت له بعد عدة وجبات بأني قررت أن أكون كاتباً مما عرضني لتقريعه وسبابه من تظن نفسك قال لي نجيب محفوظ؟ انت أحمق وتابع ليقول أبوك أحمق أكثر منك ليشجعك على ذلك وكيف تقرر أن تكون كاتب إنها غطرسة غباء ..لحسن الحظ كنت شاباً بحيث لم أحبط فقد كنت أعرف كيف أترك أوهامي متقدة لكنني صدمت بما تحمَّله أبي من عائلته...الان هو أكثر المعجبين بي واكثر شخص يتابعني ويتصل بي ...كل يوم تقريبا
.
.
ثم ....مات أبي الذي قال للشيخ المتعجرف : أنقلع الله يلعن ذا الوجه
.
.
أبي الذي يرفع النهار بيدين من ماء يدفع رهط الضالين بمناسك الرحمة يفيض فمه بالسياسة والشعر والبهاء صار الصوت بيننا عجينة يا أبي قلت لك قبل عشرين سنة السماء ليست عادلة ..السماء متحيزة تحب الفداحة تفضلها وتبغض الأنبياء المؤجلين .. ربما بكيت ليلتها أو ربما بكيت ..تتمدد قليلا كحقل قمح داخل سنبلة تمدد قليلاً ..المسافة باتت باهتة وسيأكل الدود عيونك بعد أيام ..أبي لماذا أشعر بوجودك في غرفتي رغم أنني وضعتك في قبرك ودون ماء...
.
.
أبي لقد حاولت الانتحار البارحة قفزت من فوق علبة ببسي لكن لم يتوفاني الله ..ثم صرخت في المعزين كلهم : أيها الأوغاد ماذا تفعلون هنا .. أنا لا أعرفكم ..فما كان منهم غير وضع لايك على وجهي في العزاء ..كلهم وضعوا لايكاتهم ورحلوا ..كس أخت الايكات كلها وكس أخت الموت أبن القحبة الذي تركهم وأختارك رغم أنك تبتسم قبل الصلاة وبعدها وتبكي حبا وخوفا وطمعا وجزعا وقليلا وقصيرا وطويلا ..لا تقلق سأنتقم لك من الموت وأضاجع زوجته خلسة ...
.
.
لست خائفاً على أبي من هجوم الملائكة عليه في قبره وسؤالهم له عن ربه وعن دينه وعن الرجل الذي بعث فيه ..هذا لا يقلقني بتاتاً ..أعرف والدي جيداً وأعرف أنه سيحرج الملائكة بجدلية أفكاره الباسقة وربما دفعهم للإستقالة من عملهم كمحققين مع الموتى ..أه يا أبي كم تشبه تجاعيد عينيك أزقة الدمام المستباحة ..عيناك عكازي الذي أوصلني لحكمة الشعر لا معنى للحياة بلا رجل مثلك ...أه يا أبي وضعتك في القبر بيدين مرتجفتين رعباً من ملامح وجهك و دفء ثيابك و ضحكتك الحزينة ونزعات روحي إليك..
.
.
سأذهب للنوم يا أوغاد وسأستيقظ لأعيش حياة لاتكفي لقراءة ما اقتنيته من كتب حياة لا يمكن للخمر أن يكون فعالاً فيها ما لم أستقبله بمعدة خاوية.. حياة النقرس الذي يمنعني من أكل اللحم ..حياة لا يجتمع فيها المذاق الحلو للسان المرأة مع دمامة دمها ولا يمكنني التمتع بأرجيلة إن كان بلعومي ملتهباً والزكام يبدد الروائح هباءً منثوراً سأذهب للنوم ثكلتكم أمهاتكم سأنام نصف عاري مثل جندي مذعور يلتحف جثث أصدقائه الموتى..ويشاهد والده الميت في الغرفة ..هل تعرفون شعور رجل يشاهد والده الميت في الغرفة ...
.
.
لقد تم حل المشكلة يا أبناء البشر الضعفاء ..صديقتي الحمامة وعدتني بالشفاعة فقط لأني وعلى امتداد السنوات المنصرمة لم أغسل برازها من على حواف نافذتي وكنت أضع لها الماء والفستق المجفف مع حبات الذرة وأتعمد عدم تشغيل التلفزيون في أوقات مكوثها على حواف النافذة حتى أنني قتلت كل الصراصير المزعجة الصغيرة التي تزاحمها على المكان لقد فعلت هذا كله لوجه الله فقط وطلباً للجنة قالوا لي أن امرأة لا أعرف اسمها تعاطفت مع كلب فأدخلها الله الجنة....
.
.
سأدخل الجنة ...وسألتقي بوالدي هناك وندخن بشراهة ..وسنتبادل حور العين والكواعب الاترابا ونشرب الخمر ونضاجع حتى تختفي أجهزتنا التناسلية سيكون والدي بنفس عمري 33 سنه فقط سنعود لمكتبة المتنبي في العدامة ليشتري لي كتاب (الحواس ) لبول بيكرد ..وسيقول للشيخ المتعجرف : أنقلع الله يلعن ذا الوجه
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق