كنت صغيرا عندما اكتشفت لذة الشعر والكتابة ... كنت خائفا .. تائها .. أدون الأشياء التي تنتفض في داخلي .. و لسبب لا أعرفه كنت أنظر في الورقة البيضاء الفارغة لساعات دون أن أكتب شيء ... أنجزت أول قصيدة في عمر الخامسة عشرة تقريبا قال عنها صاحبي: إن لها معنى.. لكنها لا تشبه الشعر ..بعد سنوات أقمت أول أمسية شعرية لي في جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام .. ارتديت ملابسي كاملة .. انسابت أصابعي الباردة فى الجيوب الخالية لفرط الرعب ... كنت مرتبكاً و متعجلا أحسب المسافة بين سكني ومقر الجمعية حوالي سبعة كيلو مترات لقد تخيلتها أطول ... وقعت في حفرة متروكة دون غطاء .. نزف الدم من كتفي وعدت إلى المنزل خلعت الملابس كلها ... غسلتها ولبستها من جديد ... بعد انتهاء الأمسية ... جاء رجل يسأل عنى طويلا بشارب كثيف يرتدي غترة بيضاء قديمة قال لي : سيكون لك مستقبل باهر يا أبني ... مرت حوالي خمسة وعشرون سنه على هذه المناسبة .. الرجل ذو الشارب الكثيف توفي قبل سنوات وأنا ما زلت أغسل ثيابي وأرتديها من جديد...
.
.
في طفولتي كنت أريد اللعب في الملاهي بالتأكيد .. برغم هذا ليست الحكمة المستفادة أن شخصيتي هي شخصية طفولية وغير مبالية أمام قسوة العالم وجرائمه بالعكس تماما .. كان أبي يعود متعبا من عمله يقف على رأسي وهو يقول هل تريد الذهاب إلى الملاهي يا رشدي .. وكنت أنا الطرف الذي يرفض الذهاب ... وبمجرد خروجه من الغرفة كنت أبكي حتى تحمر عيناي لفرط قسوتي على نفسي ... رغبتي الجادة في اللعب مقابل نزعتي في الهروب من الطوق الطفولي الشائك الذي يحاصرني ونظرة الإستهجان من الأخرين والتي كنت أتخيلها تحيط بي ... وكلما هاجمني الموت رحت أغسل ثيابي كلها وألبسها من جديد ...
.
.
في فترة ما من فترات حياتي شعرت أنني تعيس حقا .. بل شعرت أنني أتعس مخلوق على هذا الكوكب ... تعيس لأنني رفضت طفولتي ولم أنسجم معها ... تعيس لأنني لا أملك ذكريات تبتسم في رأسي ... تعيس لأنني أحببت قراءة الروايات الطويلة وأنا لم أتجاوز العاشرة بعد .... تعيس لأنهم سخروا كلهم مني ومن اهتماماتي الغبية ... بمعنى آخر كنت تعيساً لأنني لم أتحول إلى الشخص الذي أريده مبكراً ... ورحت أغسل ثيابي كلها والبسها من جديد ...
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق