أنا الممسوس بالغياب مثل كائن معتزل يحسب أن المحيط يتواطأ أو يتآمر ضده من أجل إفساده أو تلويثه، و لا يعلم أن العالم لا يكترث به لن يصدق أحد بأن شخصاً واحداً مزق كل هذه النصوص رغم أن بعضها مكتمل وجميل في نظر بعض الأصدقاء الذين يزعمون أنني مجنون يتخلى عن أولاده ويرميهم في سلة المهملات لكن هو جزء من شخصيتي الشاعرة ولا يمكنني انتزاعه من عمقي الروحي الذي يشكلني كشاعر لا يتحكم بأغلب تصرفاته في النهاية أجمل القصائد تلك التي لم أمزقها بعد أو ربما لم أكتبها بعد
.
.
كل شيء مبهم وغير واضح يبدأ سفري الحقيقي هناك ومن اخر سطر كتبته تحديداً اعتقد أنها حالة من عدم الإطمئنان للشكل النهائي للوجه المحفور في الورقة للقصيدة اضع الورقة أمامي واسبر غورها بالاسئلة اول سؤال يواجهني لماذا كتبت هذا النص ولمن كتبته ولماذا لا أشعر أنه الأدفأ والأكثر حميمية رغم بلاغة اللغة فيه وكثافة الصور لكن ثم موتاً يكسوه هل يستحق هذا النص مني أن أنقشه وأصقله وأزخرفه لتنبعث فيه الحياة أم أمزق الورقة واشتغل من جديد في نص اخر أمزقه فيما بعد صدقني لسنوات مكثت خارج محيط الثقة بالنص وكلما كتبت نصاً مزقته حاولت جاهداً مقاومة هذا الإغواء بعناد و بغباء
.
.
كنت وأنا صغير أحمل داخلي شعوراً يقودوني إلى إكتشاف الاشياء المكسورة في دواخل الناس كنت اراقب المارة أمام شارع بيتنا وأنا أتخيل أشكال أرواحهم والوانها كان هذا يحدث كلما أستعملت حدسي المفرط بالتكهن فقط لأفهم الكون من حولي لم اتجاوز سن الحادية عشرة بعد واكتشفت أنني لست وحيداً في جسدي وأن ثمة شخصاً اخر يسكن معي داخله ويرافقني دائما وحتى عندما بدأت في التحدث معه لم يكن ودوداً معي قال لي: إذا لم تكن شاعراً يا رشدي فليس لوجودي داخلك أي معنى
.
.
الشخص الذي يسكنني شخص متوحش يقول لي : وانت في الغالب شاعر يا رشدي الغدير ستدخل الى بهو روحك دون وجل ولأنك شاعر ستكون كسولاً وستستريح في الحجرات الاولى، ولن تتقدم إلا مرغماً للكتابة ولن تكلف نفسك عناء اكتشاف روحك وستستمتع برؤية الدم يقطر من معصمك ويلون ثوبك بالاحمر القاتم .. نعم هذا صحيح في مراهقتي اعتبرت أن جرح يدي بالسكين هو الطقس الذي يجب ممارسته قبل الكتابة طبعاً كانت هلوسات مراهق وجد نفسه في المكان وحيداً أعتقد على حين غفلة منه أن الله فرغ له كوكب الارض ليعيش فيه وحده لكن مع مرور الوقت اتضحت له الحقيقه التي لم يصدقها طوال عمره أن الكتابة الشعرية هي موته الماثل دائماً وهو يعلم أن كل شيء سيتنكر له ولن يعود له ذكر ليجازف هذه المجازفة ويموت وهو شاعر
.
.
نعم أنا مجنون بالجنون الخلاق الجنون المخيف والجميل فأنا لا ابيع الوهم. بل أوسع الحقيقة وأمنحها وجوداً فعلياً لما لم يكتمل بعد ... وجود متسع وأكثر رحابة من واقعي المقيت ...
.
.
نعم أنا مجنون
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق