كنا ونحن صغار نتسلل ليلاً من بيوتنا ..نكذب على أمهاتنا فقط لنلتقي خلف بيت أحمد الدوسري لنشعل النار من بقايا الأخشاب المنسية على أطراف الشارع المقابل لبيت الفتاة القصيرة التي تسقط على الأرض كلما نزلت من باص المدرسة ..كنا نضحك عليها ونسخر منها ومن غبائها ..لكن بعد أن كبر نهداها في المرحلة المتوسطة وثقل جسدها من الخلف عقدت اتفاقية مع الهواء كلما الصق عباءتها السوداء بجسدها المكتنز وتكورت مواهبها ..كنا نبكي ونحلم بها ..الفتاة التي تثير سخريتنا ..تحولت إلى عاصفة من الأنوثة .. ما من نخبوية أو ادعاء في اجتماعنا الطفولي وكانت الفتاة خبز حديثنا دائماً وحتى بعد خمسة وعشرون سنة ما زالت تسكن ذاكرتنا
.
.
أفكر بالذهاب غداً صياحاً لمدرستي ..أريد لقاء زملائي الذين تركتهم منذ ما يوشك على أن يكون خمسة وعشرين عاما.. بالطبع سأجد مجموعة من الرجال الكبار هم زملائي.. سأحاول التعرف على ملامحهم المنحوتة في رأسي أصواتهم بكائهم خوفهم ضجرهم ..لكن كل هذه الأشياء تنتمي لصبيان صغار أعرفهم ويعرفوني كصبي مثلهم ويفترض أن يكون هؤلاء الأوغاد بنفس سني الان لكن في ذاكرتي أجدهم أطفالا في نفس سنهم الذي تركتهم فيه .. أريد أن أتحدث معهم عن الفتاة الغبية الساذجة التي تحولت إلى مسودة اديان جديدة كدنا نتبعها لفرط جمالها ....
.
.
لكن لماذا تسكنني هذه الرغبة وهم لم يكترثون لأمري من خمسة وعشرون سنة ..لماذا أفكر بهم وهم لم يرتكبوا عناء البحث عني او زيارتي او حتى سؤال الناس عن مكان عملي ...لماذا أنا مهتم بمجموعة اطفال بلهاء كنت اضربهم وأسرق أقلامهم وهم لم يهتموا بي ...
.
.
أمضيت نصف عمري وأنا أبحث عن ملامحهم في وجوه الناس وأتلفت كلما دخلت محطة القطار في الدمام او مطار الملك فهد او سوق الراشد في الخبر او مجمع الظهران او سوق مياس في القطيف وحتى في سوق السمك في سيهات وشارع سويكت في الخبر وشارع الحب في الدمام كنت أبحث عن زملاء الطفولة والدراسة ..كانت رغبتي في معرفة مصير كل واحد منهم تشغل حواسي ..ماذا حدث لهم من تزوج كم عدد اطفالهم ماهي وظائفهم هل هم سعداء ام تعساء مثلي ...وفي المقابل لم يبحث أحد منهم عني أنا
.
.
ليذهبوا للجحيم هم وكل ذكرياتهم ليحترقوا هناك وتتحول قلوبهم لحطب جهنم ...لست مهتما بهم وما كان ينبغي لي أن أكون..ولتذهب معهم الفتاة التي شغلتنا ونحن صغار ..كلهم مجرد ذكريات لا قيمة لها
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق