وضع يده على كتفي وقال : هل أنت رشدي ..نعم أنت هو رشدي لم يتغير شكل ظهرك كثيراً أقصد أنه لم يتقوس بعد ..التفتٌ بسرعة وسألته من أنت...في طفولتنا كان الأشرس والأقوى والأكثر خبثاً ودنائة كان يحملُ مِزاجاً جامحاً خاصة عندما يتعرَّض للإزعاج وبدا أنه لا ينطوي على أي حسٍ بالفكاهة ..عانقني مثل حبل وطلب مني مرافقته إلى ستاربوكس القريب من بنده ....
.
.
جلسنا متقابلين تماماً مثل ديكة برية ..راح يتحدث عن فشله في الزواج وعن وظيفته الحقيرة وعن موت والده وعن ضياع ثروته في البورصة ..كنت أستمع له بحرص نادر ..سألني هل ما زلت تعتقد أنك شاعر ..ثم ضحك بخبث
.
.
لم يتغير هذا النذل.. ما زال كما كان وغد حقير يبحث عن غضبي حتى وهو صبي صغير لم يكن فيه أي شيء مُضحك.. على العكس كان تعبير وجهه في المعتاد كالحا..نكدا..وأحياناً خسيساً بكل وضوح.. قلت له أنني أود الاستماع له فقط ولا رغبة عندي في التحدث عن نفسي ...
.
.
ثم حدث ما كنت أخشاه ...راح يقوس ذاكرتي بمهارة بأتجاه المطبات المظلمة التي أحاول نسيانها ..وبلذة تبرق في عيونه قال هل عرفت ما حدث للقحبة التي كنت مغرما بها يا رشدي لقد ماتت في حادث غامض ..قلت له أعرف هذا رحمها الله هي الأن ميتة فلا يجوز لك التحدث عنها بهذا الشكل ..ضحك الخبيث وقال هل تعرف أنني ضاجعتها خمس مرات كانت ساخنة مثل تنور الخباز تلتهم كل شيء وتحترق وتطلب المزيد ...
.
.
لم أشعر بنفسي إلا وهو يمسك ثوبي ويقول يكفي يا رشدي أرجوك ..مازالت قبضة يدي تؤلمني لفرط ما أخذت من وجهه وفكه ..كلما أتذكره أنني قلبت الطاولة وسرقته من الأرض إلى السماء وعركت جسده بشكل سريع وأدخلت رأسه بيت ذراعي ورحت الكمه في كل ملامح وجهه وأنا اصرخ ..حتى الناس الذين تجمهروا علينا وحاولوا انقاذه ضربت أربعة منهم دون قصد ..تحول إلى ورقة تنزف دماً ...وها أنا أسدل الستار على ذكرياته وعلى وجوده وعلى سيرة الفتاة التي كان يلاحقها أيام مراهقتنا السوداء
.
.
قد يتعجَّب أحدكم فيقول كيف أصبحت صديقاً لشخص خسيس مثل هذا الشخص ..حسناً ..في الواقع حتى أنا لا أعرف كيف كنا أصدقاء من الصعب حقاً أنْ أُفسّر ذلك.. وربما من الأفضل ألاّ أحاول .. لعلي حتى وأنا في تلك السن المُبكّرة لم أكن أعرفه جيداً ...ولم أقابله منذ عشرون سنه ..حتى اليوم لم أخطط للجلوس معه لكن وجودي في بنده ووجوده في نفس المكان كان صدفة لا تغتفر
.
.
رشدي الغدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق