Translate

الأربعاء، 1 فبراير 2012

الجن يعبثون معي .. الجزء الأول

 اليوم على طريق الدمام الجبيل السريع توقفت في محطة البنزين لأشتري بطاقة سوا وسنيكرز وعلبة رد بول ..كانت المتسولة التي تحمل رضيعا ملفوف بقماش متسخ تجلس بشكل شاحب على جانب باب المحل الأيمن .. مددت يدي إلى جيبي وأنا متوجه إلى الداخل كنت أسترق النظر إليها وهي تهش الذباب (الذباب الكثير كان يوحي بوجبة ) لكن لا توجد وجبة بجانبها بل كان الذباب كله على وجه الرضيع رأيت وجهاً أزرقاً.. وجه الرضيع ميت ومنذ فترة ..هذا اللون لا يحمله غير الأموات والذباب يعرف جيداً رائحة الأموات..نظرت في عيونها وهي تمد يدها لتأخذ مني بعض الريلات المنسية في جيب معطفي مثل نوايا لم تنجز بعد ...وبسرعة أشاحت بعيونها ونظرت للقادم الأخر بريالاته القليلة ...


.

.

أنهيت دفع الحساب وخرجت من المحل ..قررت أن أمضي في طريقي دون أن التفت للرضيع الميت في حضن المرأة المتسولة ..قلت في نفسي :ما أن أصعد السيارة حتى أنسى كل شيء ربما هو حي لكن لونه أزرق بسبب الشمس لقد كان يوما حاراً يضاهي الجحيم ..لكنني لم أستطع مقاومة قراءتها من بعيد لم تكن تهز فخذها ولم تكن تنظر إلى الرضيع في حجرها كانت تهش الذباب فقط ..وتمد يدها للعابرين والغرباء لقد كانت عيوني وقحة وأنا أتفحصها من بعيد ..كما أن الرضيع لم يتحرك أي حركة طوال فترة مراقبتي للأم ...ثم حسمت أمري وقررت أكمال طريقي .. وهمست في داخلي : لا تتدخل في حياة الأخرين يا رشدي ولا تحاول أن تبدو كإنسان مهتم ..فأنت مسخ لا يكترث بشيء ...لا تتقمص شخصية الرجل الطيب أيها الوغد ...هذا لا يليق بك

.

.

بعد حوالي عشر كيلوا مترات كنت أقود السيارة بسرعة جنونية (أنا دائما ما أقود سيارتي بسرعة جنونية حتى داخل الأزقة ) وفجأة لاح لي وجه الطفل أمامي وسمعت صوته يصدح في أعماقي وهو يقول : بابا رشدي لا تكسر عينك عندما أنظر في عينيك يوم القيامة والكل خائف ومذعور ..أرجوك أدفني وأمنع هذه المرأة من أستعمال جثتي لتكسب المال بها ..أرجوك يا بابا رشدي أنا أتعذب وروحي تائهة أحتاج قبر يليق بفطرتي كطفل مسلم فلا تتركني وراءك ... دستُ على الفرامل بساقي وقدمي كلها لتتشبث سيارتي بسخونة الأسفلت وتمنحه أربعة خطوط محترقة وواضحة على جبينه كادت السيارات التي تمشي خلف سيارتي أن ترتطم وتتهشم وأنا السبب طبعا ..

.

.

وقفت على جانب الطريق ..لم أتمالك نفسي فبكيت وقلت : اللعنة لماذا يضعني الله في هذا النوع من المشاكل والتمزقات ألا يكفي ما أعانيه ..ثم صدح صوت غدري الرشيد من داخلي وقال : أهلاً بك في الخذلان أيها الوغد ربما تكون شاعراً ماجن تتكئ على لغة فاحشة لكنك لست سافلاً ولا يمكنك ترك جثة الرضيع تأن تحت براز الذباب ونوايا هذه المرأة المنزوعة الضمير ..عد إليها وأنقذ الرضيع الميت من امتهان جثته بهذا الشكل الفاحش ...

.

.

عدت مسرعا إلى محطة البنزين حيث المرأة والرضيع الميت وبذات الملامح المتعبة والقلق الذي لا يفارق وجهي وصوت الرضيع الميت يدفعني للبكاء وصوت غدري يصرخ بي : أيها الوغد..أيها الحقير أين قلبك ..أنت لا شيء أنت مجرد بول كلب تحت شجرة ..أنت مجرد فراغ ..أنت ..أنت...أنت ...(اللغة التي يتكلم فيها غدري تكون جارحة وخانقة جداً ..وهذا يدفعني للجنون ) ..وصلت المحطة وتوقفت أمام البقالة تماماً لكنني لم أجد المرأة والرضيع ....دخلت البقالة وسألت البائع عن المرأة المتسولة التي كانت تجلس في الخارج ..قال لي أنه لم يشاهد أحدا في الخارج منذ الصباح ...

.

.

رشدي الغدير

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق