عن الذي نام ولم يحلم
ثم نام ولم يحلم
ترك الوسادة قرب النافذة ..وراح يصرخ في الناس : يا كلاب هاتوا احلامي وضعوها في وسادتي ...يا كلاب هاتوا أحلامي كلها
- ثم ماذا
-لا شيء ...فقط نام ولم يحلم...ثم نام ولم يحلم
-والناس ؟؟
-كلهم كلاب ...كلاب فقط
-والأحلام ؟؟
- كلاب ...أيضاً
.
.
عن الذي نام ولم يحلم .. ثم نام ولم يحلم : قال منذ أن وطأت قدمي هذه البلاد فقدت حسي بالحياة .. ومنذ اللحظة الأولى عرفت بأني سأقضي أسوأ أيام حياتي هنا..رطوبة خانقة.. هواء معلب، ماء معلب، وعبارات مقتضبة من لهجات ولكنات بدوية لا تعجبني ....أكره السعودية ...أكرهها بصدق...
- متى أعود إلى الجنة ..كنت أعيش في سلام هناك
- متى أعود إلى للجنة ...مكاني المناسب بين حور العين والزبرجد والسندس وأنهار العسل والخمر
- مللت البقاء بين أبناء البشر الضعفاء ..أتغوط واتبول مثلهم ..وأنتظر الموت
.
.
من جديد عن الذي نام ولم يحلم ثم نام ولم يحلم قال : ..أنا الأشد خوفا والأقدر على حبس هلعه حين يباغته في وجهه .. يمكنه صفع الخوف كله دفعة واحدة كما يمكنه البصق في وجه خوفه كلما ظهر أمامه وراح يبحث عنه ..صمت برهة ثم قال : لا اعلم
..لماذا تدفعني رغبة إنزال سروالي والتبول على الخوف كله ...قبل النوم وبعده
لكنه بدل أن يفعل هذا راح ينام دون أن يحلم
.
.
حسناً.... الفكرة بمطلقها عن الذي نام ولم يحلم... ثم نام ولم يحلم ترك الوسادة قرب النافذة ..وراح يصرخ في الناس : يا كلاب هاتوا احلامي وضعوها في وسادتي ...يا كلاب لكن لم يستجب له أحد .. وظل مستيقظا طوال الليل ثم تذكر صديقه الميت منذ اسبوع فراح يبكي عليه ثم تذكر فجأة أن صديقه لم يَمُت بعد لكنه أستمر بالبكاء ولمدة أسبوع ثم غسل وجهه بصابونة صفراء وراح يبكي عليها .. لبس ثيابه فتح باب شقته وراح يبكي .. ثم نام ولم يحلم ..
- قد تبدو الفكرة بسيطة وساذجة ...
- في الواقع هي بسيطه وساذجة...
- حسناً هي بسيطة وساذجة ...
.
.
مرة اخرى عن الذي نام ولم يحلم ثم نام ولم يحلم يقال أنه قبل أن يعلن توبته النصوح سافر إلى بولندا ليتم تكريمه لفوزه بجائزة الشعر العالمي المعاصر دخل حانة وطلب كأس فودكا وراح يستغفر الله وهو يدفع السائل إلى جوفه وكلما أرتفع عن الأرض زاد استغفاره وخوفه من الله ثم أطلق نحيبه المكبوت وراح يجهش بالبكاء..أقتربت منه فتاة شقراء اسمها كارين عيونها مقوسة ونصف عارية قالت له بأنجليزية بلهاء : لماذا تبكي يا صغيري ..
.
.
وبدون سابق انذار راح يدفن وجهه في صدرها ويبكي ..خلسة يمد لسانه ليتذوق نكهة نهدها الأبيض جداً .. أخذته من يده إلى شقتها الصغيرة ..نامت بجانبه على السرير .. ذهبا في لجة العمق ولم يكن يعرف أسمها بعد فتح عيونه وشاهدها بجانبه ..عارية تماماً .. راح يولج قضيبه بين فخذيها وهي نائمة ..أستيقظت مذهولة وخائفة قالت له بأنجليزية بلهاء : أنت مجنون وراحت تلتهمه وهي تتعرف على تفاصيل وجهه .. وفي غمرة الجنس سألها عن أسمها قالت له وهي تتأوه أسمي كارين ...طلبت منه أن يقذف سائله في فمها ..ظنها عطشانة ..فاض السائل من فمها وسال على ذقنها حتى بلل عنقها ضحكت وهي تخرج فقاعات لزجة لفرطر النشوة والفرح ...
.
.
قبل أن يودعها طلبت منه كارين ترك سائله المنوي في كأس على المنضدة قالت له : حبيبي دعنا نشرب حيواناتك المنوية قبل النوم وبعده ... وراح الأحمق يشرب السائل معها وكانت المرة الأولى التي يتذوق فيها حيواناته المنوية .. شعر بألفة مع السائل فيما كارين كانت تبتسم بخبث.. قال في نفسه لا بأس ...سأعتبر هذا الأمر تقديرا لحسن ضيافتها ....ثم نام ولم يحلم ثم نام ولم يحلم
ترك الوسادة قرب النافذة ..وراح يصرخ في الناس : يا كلاب هاتوا احلامي ...كلها
.
.
.
رشدي الغدير
...........................................................
القراءة النقدية والرؤيا الكونية بقلم الأستاذ : ماامون المغازي كاتب واديب من مصر
..............
الرجل الذي نام ولم يحلم.
أعتبر هذا النص من النصوص النفسية. وقد قام على فرشة تحريضية منذ البداية حيث استعرض مجمل حالة هذا الشخص الذي يستطيع النوم لكنه لا يحلم... لا يحلم ويلقي بالتهمة على الناس على اعتبار أنهم سرقوا أحلامه... يشعر بانه سعوديًا وافدا عليها، وبغض النظر عن أنها السعودية يفتح علينا عالمًا مجففًا في الصحراء يمكن من خلاله الإسقاط على أي بلد خليجي فهو لم يخص السعودية وإنما أتى بشواهد تنطبق على الخليج كله من حيث كل شيء مجفف والرطوبة مرتفعة، لكنه يفتح على نافذة أخرى وهي التقاليد الصارمة ظاهرًا ويكون علينا إدراك حقيقة مهمة هي أنه ترك بلد، لكنه يستعرض ملامح من من الجنة فيوسع دائرة الرؤية إلى عموم الإنسان الذي تقيده الدنيا بمحدوديتها وكبتها لطاقات والرغبات في مقابل الجنة المسموح فيها بكل شيء.
ينتقل إلى المرحلة التالية من النص حيث يقر ببساطة الفكرة ( رجل ينام ولا يحلم ) في البداية يلقي باللوم على الناس الكلاب ثم الأحلام الكلاب أما الوسادة فبجوار النافذة.
الوسادة بجوار النافذة... النافذة رمز الإطلال على الفضاء... الأحلام تأتي من الفضاء... الناس كلاب... الكلاب تتولى الحراسة... هو أسير هذه الغرفة الضيقة... الغرفة رمز الضيق والحبس... أي أن المجتمع الذي يعيش فيه ينصب نفسه حارسًا عليه وعلى دماغه.
لماذا سافر
سافر ليكرم لأنه حصل على جائزة في الشعر. كيف وهو في حالته هذه؟ قد يمنحنا هذا الفرصة لأن نتهم الكاتب بأنه لا يمسك بخيوط نصه وتنفلت منه الفكرة، لكن نفسيًا الذي يعيش هذه الحالة قادر على الإبداع الشعري لأنه يفرغ فيه ما لا يستطيع تحقيقه ولا يستطيع أداءه في الواقعفتأتي القصيدة معادلاً موضوعيًا للحالات النفسية.
ترك هذا العالم إلى عالم آخر متفتح... هذه الشخصية تعيش عالمًا من الهواجس فهو يرى أن الصديق قد مات ثم ندرك أن الصديق لم يمت، ثم يغسل وجهه بالصابونة ثم يبكي عليها، إنه يعاني من حالة ندم دائم على الفقد حتى لو كان مستفيدًا من هذا الفقد... لا بأس، ما زلنا أمام شخصية تبحث في ذاتها عن ذاتها مع إدراك عقدة الذنب، نعم عقدة الذنب تلعب هنا دورًا مهمًا، إنه مذنب في حق نفسه منذ ترك بلاده إلى بلاد أخرى، مذنب في حق نفسه إذ فقد صديقه حتى رأى هذا القد موتًا، مذنب حتى في إهدار الصابونة لينظف بها نفسه، هذا بعد آخر يلقي بخيوطه في قراءة النص ورغم إدراكه العقيدي إلا أنه يرتكب الذنب مع الاستغفار، ثم يدخل من جديد في البكاء... إلى أن تأتي الأنثى، هنا انقلابة في النص، وابتداء فتح مغلقاته، فالجنس هنا لن يكون مقصودًا لذاته، فنحن لسنا أمام حالة كبت متكاملة الملامح، وإنما نحن أمام حالة بحث عن الذات والمستقبل، فكارين التي وجدها أمامه مرحلة في تاريخه وأول ظهور للأنثى في النص وهو ظهور هجومي لتسريع الحدث، فبسرعة يدفن رأسه في صدرها، ويحاول تذوق نهدها، أيضًا هنا حالة فرار من الواقع بالاعتماد على غريزية فرويد، تحقيقًا للذة المصية وما دام غير قادر على إخراج أحلامه في مقابل لذة الإخراج الفرويدية يحقق لذة المص في مشهد طريف وبنقلة سريعة خاطفة يكون في السرير مع كارين... وكونه عربي يمارس ما يؤخذ على العرب من كونهم لا يسلكون الطرق السهلة المعتدلة وإنما ( اللف والدوران ) والتمحك فيترك المكان الطبيعي إلى المماحكة في الفخذين.
هنا تحدث انقلابة الاقتراب من النهاية... إن كارين تلتهمه دون التعرف إليه ودون أن يتعرف إليها في إلماح إلى أن هذا الغرب لا يبحث في الظاهريات بقدر ما يهمه الحالة والتطبيق والاستفادة... ومع الممارسة التي يبدو أنها كانت قوية من طرفه ومن طرف كارين نجده يسألها عن اسمها... إنه لم يفكر في أداء الفعل الخالص وإنما اهتم بسؤالها عن اسمها الذي أعطته إياه بين تأوهاتها الموحية بالصنعة وإجادة التلذذ، أعطته الاسم دون أن تتبدل حالتها أي أنها تجيد الفعل الذي تقوم به وتهتم بالوصول إلى النتيجة، فماذا كانت نتيجة الفعل؟
طاقة قوية مندفقة تهدر في الفم وعلى الذقن والرقبة... مشهد يوحي بالقوة ووفرة المخزون والنتيجة إهداره، في المقابل كانت كارين تضحك، الضحك هنا يحمل رموزًا كثيرة منها النشوة، تحقق الهدف، الوصول للمطلوب...فاستمتاع الرجل بالأنثى يتم من ثلاثة أوجه: شعوره أنه أوصلها إلى اللذة، وصوله هو نفسه إلى اللذة، والقذف داخل الفرج.
لكنه هنا ليس مسيطرًا على الموقف وإنما كارين هي المسيطرة التي تدير الموقف كله. وفي رحلة من إيجاد المبررات يزاوج بها الكاتب إسقاطه عدم تحقق الأحلام على الناس الكلاب، يبرر تلبية البطل لطلب كارين أن يفرغ حيواناته المنوية في كأس... هنا التنوير الحقيقي في هذا النص، فالتعبير جاء بالحيوانات المنوية... إلام ترمز الحيوانات المنوية؟
ترمز إلى استمرار النسل والمستقبل وها هي مرة تستقبلها كارين بفمها محدثة بها فقاعات جوفات تنفجر كأن شيئًا لم يكن، ومرة أخرى تشربها... هل نتوقف؟ لا. إنه يشاركها الفعل يشرب حيواناته معها أي يهدرها بنفسه... مشهد مكثف دراماتيكي لا يخلو من سخرية فهو لم يهدر فقط المستقبل ويمنحه لمن يضيعونه وإنما يشارك في تضييعه وإهداره تمامًا حيث يضع كل شيء في غير محله، ليعود إلى نفس الموقف المتمثل في لعن الواقع والناس وعدم القدرة على الحلم لأنه أضاف تضييعًا جديدًا لذلك نراه يضيف إلى تعبيره السابق كلمة ليكون: هاتوا أحلامي كلها... إننا أمام شخصية انسحابية تملك الكثير من الطاقات لكنها تهدرها في غير محلها وتعطي مما لديها منتظرة الاحتفاظ به أو الشكر والثناء والحقيقة أنه لا يفعل شيئًا لأن أفعاله التي يقوم بها هي مجرد هدر لطاقة في غير الوقت وغير المحل.
وبعد كل هذا فالكاتب ربما لعب لعبة ذكية لتكون هذه الأحداث عبارة عن انقلابة لحظية وفكرة مدهشة في رأس الشخصية لا تتجاوز لحظة انسحاب وتعبير عن ضياع متوقع، أو أنها ‘سقاط لحظي، أما إذا كان الكاتب قصد لعبة النحت اللغوي فن حلم ويقصد بها الاحتلام فهذا غير متحقق في بنائية اللفظين... لكننا أمام عمل طيع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق